محمد عبدالله البقمي

الأيتام الكبار!

الأربعاء - 15 أكتوبر 2025

Wed - 15 Oct 2025

يبدأ الإنسان حياته ضعيفا لا بقاء له على قيد الحياة إلا بعناية الله ثم من حوله، وحين تدب القوة في جسده تبدأ رحلة كفاحه ليحيا عزيزا مستقلا إلى أن يبلغ أشده عند الأربعين، حينذاك يأخذ منحنى قوته اتجاه النزول إلى أن تغادره الحياة.

رحلة قصيرة بين ضعفين، متعبة هي حد الاستسلام لضغوطاتها، ممتعة تستحق التحدي لخوض غمارها!

تلكم هي حياتنا، نحياها صغارا ثم نخوضها كبارا، وفي المرحلتين لا طعم لها ولا لون إلا بالرحمة المبثوثة في القلوب، رحمة الكبار بالصغار، ثم توقير الصغار وإجلالهم الكبار. قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا، فليس منا).

تشير تقارير الأمم من حولنا إلى تزايد أعداد المشردين من المسنين، فيما تبقى مجتمعاتنا العربية والإسلامية في حال أفضل، فما زالت روابط القربى وعاطفة الإيمان حائلا دون تفشي تلك الظاهرة المقيتة، ظاهرة "الأيتام الكبار" التي تعانيها معظم دول العالم، حيث تكتظ الطرقات بمسنين يغتالهم الفقر والإهمال والمرض وانعدام المأوى!

ومع ما ننعم به من روابط أسرية وإيمانية تحفظ تواد مجتمعاتنا وتراحمها، إلا أن لنمط الحياة وتسارع وتيرتها انعكاسا على مناحي حياتنا بما فيها علاقاتنا مع كبار السن، الذين بات كثير منهم يعاني من الوحدة والإهمال؛ نتيجة انشغال من حولهم في تكاليف الحياة المرهقة، فيما الضعف يتسلل ببطء إلى أجساد أولئك الكبار قدرا وسنا، يوهن عظامهم ويضعف صحتهم ويقضي على ما تبقى من شغف الحياة لديهم، شيئا فشيئا تتراجع نشاطاتهم وتقل علاقاتهم الاجتماعية فيما نحن في غفلة عنهم.

الواجب علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لإسعاد من أفنوا حياتهم في رعايتنا، وكانوا سببا فيما نعيشه اليوم من رغد واستقرار، علينا أن نقترب منهم، نجاذبهم أطراف الحديث، ننصت لهم، نوفر ما يحتاجون إليه من غذاء ودواء ومسكن، علينا أن نجعل صحتهم وراحتهم أعلى أولوياتنا، ولا ننسى أن ما نغرسه اليوم من قيم ومبادئ نجني ثماره غدا. قال ﷺ: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم).