باسل النيرب

الكلفة الاقتصادية للأخبار الكاذبة

الأربعاء - 20 أغسطس 2025

Wed - 20 Aug 2025


تشكل الأخبار الكاذبة مشكلة سياسية، اجتماعية، اقتصادية، أمنية، وتلحق ضررا بالغا بالمجتمع، ومن جملة المشاكل الاقتصادية التي تتسبب بها الأخبار الكاذبة استخدام المعلومات المالية المضللة للتلاعب بأسعار الأسهم، مما يلحق أضرارا مالية جسيمة بالمستثمرين.

صمتت الأخبار المزيفة في سوق الأسهم لخداع المستثمرين بشأن القيمة الحقيقية لأسهم الشركات من دون أي دليل أو حقائق، والأمر ذاته له علاقة في الشركة التي تكون «ربما» متورطة في عمليات الاحتيال وتزوير الأرباح، وهذه الطريقة تسبب تقلبات قصيرة الأجل، وتآكل ثقة المستثمرين على المدى الطويل.

ومن النماذج التي يمكن التعرض لها شركة «فارملاند بارتنرز» العقارية، والتي تعرف عن نفسها أنها أكبر صندوق استثمار عقاري للأراضي الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث المساحة، يتم إدارته داخليا ويتم تداوله علنا ويقوم بشراء وتأجير وإدارة الأراضي الزراعية عالية الجودة في جميع أنحاء أمريكا، وأسهمها متداولة في بورصة نيويورك، وفي عام 2018، تسبب تقرير كاذب ادعى أن 310% من أرباح الشركة للعام السابق (2017) مفبركة، ما سبب انخفاض سعر سهم الشركة بأكثر من 40% في يوم واحد، وخسارة عشرات الملايين من قيمتها السوقية.

الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة التي تضرب السوق المالي تترك آثارا واضحة على الاقتصاد، ومن الأسباب التي تدفع المستثمرين لقبول الأخبار الكاذبة «السرعة» التي هي عامل أساسي في عالم الأسواق المالية، فالمستثمرون غالبا ما يتجاوبون مع المعلومات من دون التحقق منها، وهذا التسرع في اتخاذ الإجراءات يؤدي إلى ادعاءات كاذبة تحدث تأثيرا حقيقيا وفوريا على أسعار الأسهم.

من الناحية النظرية عند الشركات يختار مطلقو الأخبار الكاذبة شركات يصعب فهمها، أما الشركات التي تقدم توجيهات استباقية أقل وقوائم مالية أكثر تعقيدا، فتصبح أهدافا أسهل، ولكشف النمط تنتشر الأخبار والمقالات الكاذبة في الأيام التي تسبق إصدار الأرباح الفصلية، وبمجرد نشر تقرير الأرباح الفعلي، تفقد الأخبار الكاذبة قيمتها وقوتها، حيث تسيطر عليها بيانات جديدة وموثوقة معلنة.

في العادة يستخدم مطلقو الأخبار الكاذبة استراتيجيات «pump and dump» مما يؤثر على تحركات الأسهم وثقة المستثمرين، ومن الأشكال: التلاعب بأسعار الأسهم لتحقيق ربح من مراكز قصيرة الأجل، وأسبابها ما هو مرتبط بالحرب الاقتصادية، أو من أجل التسلية «لمضايقة» المستثمرين، وفي الغالب لا يعرف من «الجهة / الجماعة» التي تقف خلف هذا النوع من المعلومات المضللة التي تستهدف زعزعة ثقة المستثمرين من خلال نشر شائعات حول استقرار السوق، أو الطعن في قرارات اقتصادية، أو استهداف شخصيات اقتصادية مؤثرة، مما يؤدي إلى تردد المستثمرين المحليين والأجانب، ويؤخر تدفق رؤوس الأموال أو يتسبب في سحب استثمارات.

وتؤدي مثل هذه المعلومات المضللة إلى اضطراب الأسواق المالية، ومن أشكالها أخبار زائفة عن أسعار النفط، أو نشر تغييرات في السياسات النقدية، أو الحديث عن أزمات مصرفية بعد نشر تلميحات من الجهات الدولية المعنية في التصنيف الائتماني، وهذا يؤدي إلى تقلب السوق المالي، وتذبذب في مؤشر التداول المالي، مما يدفع المستثمرين إلى سلوكيات بيع غير مرغوبة مثل حالات بيع جماعي أو طلب مفرط على العملات الأجنبية.

وتتسبب المعلومات المغلوطة في التأثير على إنفاق المستهلكين من خلال سلسلة ممتدة من الأخبار عن انهيار اقتصادي قادم أو ارتفاع كبير في الأسعار، وغالبا ما يكون تأثيرها على المستهلك واضحا بالخوف وتقليل الإنفاق ورفع الادخار، والمتضرر الدورة الاقتصادية المحلية.

ضمن المستوى العالمي تقدر خسائر الاقتصاد العالمي الناتجة عن الأخبار الكاذبة وتضليل المحتوى بنحو 78 مليار دولار سنويا، منها حوالي 39 مليار دولار خسائر في سوق الأسهم، و17 مليارا من قرارات مالية خاطئة، بالإضافة إلى نحو 9.5 مليارات دولار لتنظيف السمعة و9 مليارات في مكافحة المعلومات الصحية المضللة، وقد صنف المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير Global Risks Report 2025 التضليل الإعلامي المدعوم بالذكاء الاصطناعي «أكبر خطر قصير الأجل يهدد الاقتصاد العالمي»، كما كشف موقع BaitTrap عن أكثر من 17,000 موقع إخباري زائف يغذي عمليات الاحتيال الاستثمارية.

ضمن دائرة الحلول؛ الشك من أفضل وسائل الدفاع، ومن الحلول اللازمة لمواجهة تأثير سيل الأخبار الكاذبة اقتصاديا التركيز على الشفافية، وتقديم إرشادات أكثر وضوحا، وضمان إمكانية الوصول إلى البيانات المالية وفهمها بسهولة، مع حذر المستثمرين والتحقق من البيانات المالية لتجنب الوقوع في فخ الأخبار الكاذبة، والحذر من المنشورات أو المواقع الالكترونية التي تعتمد على مصادر خارجية في مقالاتها، ونشر أخبار مجهولة المصدر.