من المدينة إلى غرفة السائق والخادمة!
الأحد - 03 نوفمبر 2024
Sun - 03 Nov 2024
في التخطيط العمراني يتم دراسة توزيع السكان في المدن وفهم علاقة الارتباط بين الدخل والتوزيع العرقي للسكان. أذكر أنه في مرحلة الدكتوراه قمت بعمل بحث كجزء من متطلبات أحد المقررات حول توزيع السكان في مدينة هيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية. حصولي على البيانات السكانية لم يستغرق سوى ضغطة زر ومن خلالها تم إدخال البيانات في نظام المعلومات الجغرافية وتم استنتاج وجود علاقة ارتباط إيجابي بين متغير "العرق" و"المكان". لقد وجدت الدراسة أن السكان من عرقيات معينة يتوزعون بالقرب من الأماكن غير المرغوبة مثل المصانع، ومصادر التلوث. غالبا ما يكون هؤلاء السكان منخفضي الدخل ويختارون هذه الإماكن نظرا لأنها الأرخص عقاريا. وفي المقابل، يتوزع السكان مرتفعو الدخل في الأماكن مرتفعة السعر عقاريا.
هذا التوزيع قد يراه البعض طبيعيا بحكم قوى السوق، فالأراضي مرتفعة السعر تكون خيارا مناسبا للأغنياء؛ في حين يختار محدودو الدخل الأراضي منخفضة السعر. ولكن الإشكالية تكمن في تموضع السكان في أماكن قريبة من مصادر التلوث وبعيدة عن الخدمات أو المناطق الحيوية في المدينة. لم يحصل أفراد المجتمع كافة على حق الوصول المتكافئ للخدمات والحماية من المهددات البيئية أو الصحية. هذا التوزيع المكاني يتنافى مع أهداف التخطيط العمراني الرامية إلى تحقيق "المصلحة العامة" وتعزيز مبدأ الإدماج الاجتماعي والصحة الجسدية والعقلية للسكان.
في الواقع، السكان الذين يقيمون بالقرب من المناطق الصناعية هم معرضون أكثر للمشاكل الصحية؛ في الوقت الذي لا يتمتع هؤلاء السكان بالقدر نفسه من المرافق العامة والحدائق الواسعة والمساحات العامة كما الأغنياء. لذلك يطرح هذا البحث قضية هامة حول التهميش الاجتماعي في المدن ودور التخطيط في تحقيق العدالة الاجتماعية.
في العمارة يمكن إسقاط هذه الجدلية نفسها على مستوى الوحدات السكنية، إذ يحرص بعض المصممين المعماريين على تبني معايير تؤكد على توفير مساحات واسعة لأفراد الأسرة واستغلال الفراغات وتوظيفها بشكل أمثل. يوفر التصميم الإضاءة الخارجية والتهوية الطبيعية للغرف ومساحات رؤية في غرف المعيشة تطل على حديقة المنزل. ومع ذلك يتم إغفال هذه المعايير نفسها في تصميم غرف السائق أو الخادمة.
غرفة السائق أحيانا تكون أشبه بزنزانة مصمتة وضيقة، تكفي بالكاد لسرير واحد، وهي خالية من الإضاءة والتهوية الطبيعية. يضطر بعض السائقين للجلوس خارج المنزل ومقابل الغرفة لاستنشاق الهواء؛ كما يقوم بغسل ملابسه وتعليقها على الباب الخارجي للغرفة مسببا تشويها بصريا للمكان. أما غرفة الخادمة فهي ليست أفضل حظا من غرفة السائق، فالمساحة ضيقة جدا ويتم استغلال جزء من المساحة كمخزن ومنطقة غسيل. وقد تتعرض بعض الخادمات للحساسية نتيجة استنشاق روائح الكلور والمواد المنظفة أثناء النوم.
المعايير اختلفت على الرغم أننا نخطط ونصمم للإنسان نفسه. أتساءل حول المعايير المزدوجة في العمارة والتخطيط، والتي تؤكد في مضمونها على تحقيق "المصلحة العامة" وتنمية المجتمع والارتقاء بأساليب المعيشة؛ ولكنها من ناحية أخرى قد تميل عن قصد أو دون قصد لخدمة قوى السوق أو المستثمرين العقاريين، أو الأغنياء على حساب الفئات الأخرى؟ مستقبل المدن يعتمد على الحفاظ على روح المدينة والقيم الإنسانية وحقوق الأقليات والفئات المستضعفة ليعيشوا بفرص متساوية.
ختاما، أهداف التخطيط والعمارة لا يمكن توليفها وفقا لمعطيات غير ثابتة؛ ولا يمكن تحقيقها بلا إطار تشريعي ملزم ومشاركة مجتمعية تستقرئ احتياجات المجتمع بعدالة وتعزز انتماء السكان لبيئتهم العمرانية.
هذا التوزيع قد يراه البعض طبيعيا بحكم قوى السوق، فالأراضي مرتفعة السعر تكون خيارا مناسبا للأغنياء؛ في حين يختار محدودو الدخل الأراضي منخفضة السعر. ولكن الإشكالية تكمن في تموضع السكان في أماكن قريبة من مصادر التلوث وبعيدة عن الخدمات أو المناطق الحيوية في المدينة. لم يحصل أفراد المجتمع كافة على حق الوصول المتكافئ للخدمات والحماية من المهددات البيئية أو الصحية. هذا التوزيع المكاني يتنافى مع أهداف التخطيط العمراني الرامية إلى تحقيق "المصلحة العامة" وتعزيز مبدأ الإدماج الاجتماعي والصحة الجسدية والعقلية للسكان.
في الواقع، السكان الذين يقيمون بالقرب من المناطق الصناعية هم معرضون أكثر للمشاكل الصحية؛ في الوقت الذي لا يتمتع هؤلاء السكان بالقدر نفسه من المرافق العامة والحدائق الواسعة والمساحات العامة كما الأغنياء. لذلك يطرح هذا البحث قضية هامة حول التهميش الاجتماعي في المدن ودور التخطيط في تحقيق العدالة الاجتماعية.
في العمارة يمكن إسقاط هذه الجدلية نفسها على مستوى الوحدات السكنية، إذ يحرص بعض المصممين المعماريين على تبني معايير تؤكد على توفير مساحات واسعة لأفراد الأسرة واستغلال الفراغات وتوظيفها بشكل أمثل. يوفر التصميم الإضاءة الخارجية والتهوية الطبيعية للغرف ومساحات رؤية في غرف المعيشة تطل على حديقة المنزل. ومع ذلك يتم إغفال هذه المعايير نفسها في تصميم غرف السائق أو الخادمة.
غرفة السائق أحيانا تكون أشبه بزنزانة مصمتة وضيقة، تكفي بالكاد لسرير واحد، وهي خالية من الإضاءة والتهوية الطبيعية. يضطر بعض السائقين للجلوس خارج المنزل ومقابل الغرفة لاستنشاق الهواء؛ كما يقوم بغسل ملابسه وتعليقها على الباب الخارجي للغرفة مسببا تشويها بصريا للمكان. أما غرفة الخادمة فهي ليست أفضل حظا من غرفة السائق، فالمساحة ضيقة جدا ويتم استغلال جزء من المساحة كمخزن ومنطقة غسيل. وقد تتعرض بعض الخادمات للحساسية نتيجة استنشاق روائح الكلور والمواد المنظفة أثناء النوم.
المعايير اختلفت على الرغم أننا نخطط ونصمم للإنسان نفسه. أتساءل حول المعايير المزدوجة في العمارة والتخطيط، والتي تؤكد في مضمونها على تحقيق "المصلحة العامة" وتنمية المجتمع والارتقاء بأساليب المعيشة؛ ولكنها من ناحية أخرى قد تميل عن قصد أو دون قصد لخدمة قوى السوق أو المستثمرين العقاريين، أو الأغنياء على حساب الفئات الأخرى؟ مستقبل المدن يعتمد على الحفاظ على روح المدينة والقيم الإنسانية وحقوق الأقليات والفئات المستضعفة ليعيشوا بفرص متساوية.
ختاما، أهداف التخطيط والعمارة لا يمكن توليفها وفقا لمعطيات غير ثابتة؛ ولا يمكن تحقيقها بلا إطار تشريعي ملزم ومشاركة مجتمعية تستقرئ احتياجات المجتمع بعدالة وتعزز انتماء السكان لبيئتهم العمرانية.