نمر السحيمي

الإعلام الجديد ورؤية المملكة 2030

الخميس - 24 أكتوبر 2024

Thu - 24 Oct 2024

الإعلام الجديد هو مصطلح حديث يتضاد مع الإعلام التقليدي، كون الإعلام الجديد لم يعد فيه نخبة متحكمة أو قادة إعلاميون، بل أصبح متاحا لجميع شرائح المجتمع وأفراده.

ولا يوجد تعريف علمي حتى الآن يحدد مفهوم الإعلام الجديد بدقة إلا أن للإعلام الجديد مرادفات عدة منها: الإعلام البديل، الإعلام الاجتماعي، صحافة المواطن، مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد تميز الإعلام الجديد بالعديد من الخصائص منها:
  • التفاعلية: حيث يتبادل القائم بالاتصال والمتلقي الأدوار، وتكون ممارسة الاتصال ثنائية الاتجاه وتبادلية.
  • اللاتزامنية: وهي إمكانية التفاعل مع العملية الاتصالية في أي وقت.
  • المشاركة والانتشار: يتيح الإعلام الجديد لكل شخص أن يكون ناشرا بإرسال رسالته إلى الآخرين.
  • الحركة والمرونة: حيث يمكن نقل الوسائل الجديدة بحيث تصاحب المتلقي والمرسل، مثل الهاتف المحمول بالاستفادة من الشبكات اللاسلكية.
  • الكونية: حيث أصبحت بيئة الاتصال بيئة عالمية، تتخطى حواجز الزمان والمكان والرقابة.
  • اندماج الوسائط: في الإعلام الجديد يتم استخدام كل وسائل الاتصال، مثل النصوص، والصوت، والصورة الثابتة، والصورة المتحركة، والرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد... إلخ.
  • الانتباه والتركيز: نظرا لأن المتلقي في وسائل الإعلام الجديد يقوم بعمل فاعل في اختيار المحتوى، والتفاعل معه، فإنه يتميز بدرجة عالية من الانتباه والتركيز.
  • التخزين والحفظ: حيث يسهل على المتلقي تخرين وحفظ الرسائل الاتصالية واسترجاعها، كجزء من قدرات وخصائص الوسيلة بذاتها.
ومن نتائج كل ما سبق فقد نجح الإعلام الجديد في تحويل عدة قضايا هامة بعد تبنيها من قبل روّاده إلى قضايا رأي عام، لافتا انتباه المجتمع والمسؤولين إليها، فلا يستطيع أحد اليوم أن يدعي بأنه مهتم بالشأن العام، أو قريب من نبض الشارع، ويشعر بهموم الناس دون استخدام - مباشر أو غير مباشر - لقنوات الإعلام الجديد.

ولن تنجح أي جهه تخدم المواطنين في المستقبل القريب وهي لا تملك خطة واضحة للانخراط في حراك الإعلام الجديد.

والحقيقة أنه مهما انعزل الفرد عن الإنترنت إلا أنه من شبة المستحيل أن يخلو يومه من الاستماع لحديث المجالس حول ما يجري في صفحات الإعلام الجديد.

فعندما انطلقت الشبكات الاجتماعية ما بين (2004 - 2006) اجتذبت في البداية اهتمام فئة محدودة من الناس، وبالأخص من لهم ميول تخصصية بالبرمجة والتقنية، فلم يكن دخول السعوديين بشكل فاعل في الشبكات الاجتماعية إلا في مطلع سنة (2008) تقريبا، لكن ما حدث في العشر سنوات الأخيرة كان إقبالا لم يسبق له مثيل من قبل أعطى ثقلا للعالم الافتراضي في الإنترنت، وخلف طابعا يحمل معه أصداء عالية على أرض الواقع.

هذا الإقبال جعل هناك منافسة شديدة بين وسائل الإعلام التقليدي والإعلام الجديد، فهناك أرقام مؤكدة حول انحسار عدد المتابعين لوسائل الإعلام التقليدي وازدياد مستخدمي الإعلام الجديد في المجال الصحفي، مما دعا بعض وسائل الإعلام التقليدي أن تعيد تكوين نفسها، وبناء ذاتها، لتندمج في الإعلام الجديد وتكون جزءا منه.

وقد ساهم الإعلام الجديد في بروز عدة ظواهر من أهمها:
  • كسر احتكار المؤسسات الإعلامية الكبرى.
  • ظهور طبقة جديدة من الإعلاميين من غير المتخصصين في الإعلام.
  • ظهور منابر جديدة للحوار، فقد أصبح باستطاعة أي فرد في المجتمع أن يرسل ويستقبل ويتفاعل ويعقب ويستفسر ويعلق بكل حرية.
  • ظهور إعلام الجمهور إلى الجمهور.
  • ظهور مضامين ثقافية وإعلامية جديدة.
  • نشوء ظاهرة المجتمع الافتراضي والشبكات الاجتماعية.
ذلك كله يدعونا إلى معرفة علاقة الإعلام الجديد بسنوات التحول الوطني الذي ستتحقق من خلالها النتائج الإيجابية لرؤية المملكة 2030م.

ولتطويع الإعلام الجديد ليتوافق مع مرحلة التحول الوطني اهتمت المملكة بجانبين هما:
الأول: الإنسان، حيث حظي الإنسان بالمملكة باهتمام كبير استنادا على بنود الباب الثالث من النظام الأساسي للحكم، لتعمل كل المؤسسات المعنية بالتربية والتعليم والتوجيه والإرشاد والرعاية وتنمية الموهبة وغيرها من المؤسسات على زرع مبدأ الرقابة الذاتية في النفوس، وبناء المواطن الصالح الذي يؤمن بأهمية الكلمة وأنها أمانة، وأن ما يصدر منه من كلام مسموع أو مقروء وما يشاهد منه من صور ومشاهد مصورة مسموعة أو مرئية هو محاسب عليها أمام الله ثم أمام أنظمة الدولة.

الثاني: الرسالة أو المحتوى، وقد فصّل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية كل المخالفات التي يعاقب عليها النظام في مجال الرسائل أو المحتوى الذي يبثه أو ينشره أي إنسان عبر ما يملكه من إجهزة الكترونية، وذلك في مسعى لضبط الرسائل الإعلامية الصادرة عبر وسائل الإعلام الجديد أو المحتوى المتداول في العالم الافتراضي.

وما زالت المملكة تعمل على تطوير الأنظمة والمؤسسات المعنية برفع الوعي لدى الإنسان السعودي، والتركيز على أن تنشأ بذرة الرقابة الذاتية من نفس المواطن ليكون مراعيا للثوابت الشرعية والوطنية، مما سينعكس على كل تفاعله مع الإعلام الجديد، ورقي هذا التفاعل إلى المستوى الذي سيتم من خلاله ضبط الرسالة والمحتوى وتوافقها مع الثوابت الشرعية والوطنية التي تتميز بها المملكة، وفي جانب (الرسالة والمحتوى المخالف) تقوم المملكة بتقييم نظام الجرائم المعلوماتية والتعريف به، وربط بنوده باستراتيجية الإرشاد والتوجيه لتسهم في انتشار الوعي بين أفراد المجتمع.

إلى جانب ذلك لم تغفل المملكة الاهتمام بتوفير بيئة آمنة للبيانات والعمليات الرقمية من خلال نظام أمني متين وتطوير وتنفيذ استراتيجية الأمن السيبراني الوطني والإشراف عليها.

وقد أصدرت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني عددا من الضوابط والأطر والإرشادات المتعلقة بالأمن السيبراني على المستوى الوطني، وذلك دعما لتعزيز الأمن الوطني، وحماية مصالح الدولة وبنيتها التحتية الحيوية والخدمات الحكومية، وتشمل هذه الضوابط والأطر والإرشادات الصادرة عن الهيئة الوطنية للأمن السيبراني كل حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للمؤسسات، وهو ما يبرهن على أن اهتمام المملكة بالإنسان يكمله ويعضده اهتمامها بالمؤسسات، وكل ذلك في سبيل تطويع الإعلام الجديد ليتوافق مع نهضة بلادنا والوصول بالمملكة وشعبها إلى المستوى الذي تتطلع إليه القيادة الحكيمة وبالتالي الوصول إلى تحقيق رؤية المملكة 2030م.

في الختام: أوجز القول في أن الإعلام الجديد أخرج مرسل الرسالة الإعلامية ومحتواها من الضوابط والقيود، وتعمل المملكة على تطوير الهيئات والأنظمة التي تركز على رفع وعي المرسل، وضبط رسالته بما يتوافق مع الثوابت الشرعية والوطنية والاجتماعية..، وقد راعت المملكة في تطور الهيئات والأنظمة الإعلامية التركيز على وعي المواطن والرقابة الذاتية على نفسه وإدراكه الخطأ والصواب فيما يصدر منه ويتلقاه الناس، وما زالت المملكة تسير في الطريق الصحيح لوضع تطبيقات واستراتيجيات تواكب التطورات السريعة للإعلام الجديد ليتوافق مع ثوابتنا الشرعية والوطنية والاجتماعية.

alsuhaimi_ksa@