بشرى فيصل السباعي

الشهرة التاريخية.. أم شهرة الترند؟

الأحد - 20 أكتوبر 2024

Sun - 20 Oct 2024

لأن غرور الأنا / غرور النفس / الإيجو مركز النفس الغرائزية لذا هو القوة التي تحرك غالب الناس للحصول على المزيد من القوة والسيطرة والهيمنة والشهرة والسمعة والمكانة والمديح والإطراء، وحسب شهادات من ماتوا مؤقتا وخرجت أرواحهم من أجسادهم قبل إنعاشهم، قالوا إنهم عندما عرضت عليهم أعمالهم وجد غالبهم جميع أعمالهم حتى الدينية منها غير مقبولة لأن غايتها الحقيقية كانت إرضاء غرور الأنا وكل ما دافعه غرور الأنا لا يحسب للإنسان كرصيد أخروي، ووجدوا الأعمال الوحيدة المقبولة لهم هي تلك البسيطة العفوية مثل تحية طيبة لأنه لم تداخلها نزعات غرور الأنا.

وفي عصرنا الحالي حيث باتت الشهرة سهلة ولا تتطلب أكثر من تصرفات مثيرة للفضول سقط كثيرون في فخ السعي وراء الشهرة الآنية، رغم أن لهم مكانة اعتبارية، وأسقطوا بذلك مكانتهم بنفوس الناس لأن الناس تنظر بشكل سلبي لمن يبدو أنه يسعى إلى الشهرة، بينما يحترمون من تكون الشهرة من الآثار الجانبية لتميزه وجدارته ويبدو زاهدا فيها ولا يتملق الترند بمواقع التواصل بتصرفات يبدو واضحا أنها لغاية أن يحقق الترند، فيفقد بذلك مكانته التاريخية التي لا يحصلها الإنسان إلا بقدر المضمون الجوهري لعمله وسيرته، وتملق الشعبية والشهرة الآنية هو أكبر ما يسقط المكانة التاريخية لأي انسان، ولذا كل من لديهم مكانة اعتبارية هم أمام الخيار بين أن تكون لهم شهرة آنية عبر إبقاء أنفسهم بالترند بالتصرفات المثيرة للفضول، أو تكون لهم شهرة تاريخية بالترفع عن ملاحقة شهرة الترند الآني والتركيز على المضمون الجوهري لرسالتهم ودورهم في الحياة.

لكي يختار الإنسان الشهرة التاريخية على الشهرة الآنية يجب أن يكون قد سلك طريق التزكية والترقية عن المستوى الغرائزي البدائي الذي مركزه غرور الأنا باتجاه الطبيعة العليا الربانية التي مركزها المثاليات العليا وحب المثاليات العليا لذاتها وليس طمعا بالمكافأة والشهرة والمكانة والثروة والإطراء والترند، ولذا الناس بفطرتهم يعرفون من ما زالت لديه نفسية مراهق يريد الشهرة الآنية المبتذلة، ويسقطونه من حساباتهم بالحاضر والمستقبل، فالشهرة التاريخية تتطلب من الإنسان أن يتحلى بالأخلاق والسلوكيات الملحمية في مثالياتها، والتي من ضمنها مثاليات الترفع عن ملاحقة الشهرة بالتصرفات المبتذلة والمتملقة لفضول واهتمام الناس، وليستحضر الإنسان دائما أنه بعد وفاته ووفاة الأجيال التي عاصرته وعرفته كيف سيرى اللاحقون تصرفاته وبماذا سيسمونها، ويقارن نفسه بالمثاليات الملحمية للسابقين ليتعظ من كيفية رؤية اللاحقين لسير السابقين وحكمهم على شخصياتهم.

الإنسان بتصرفاته المتملقة للشهرة الآنية يسقط مكانته العلمية والثقافية والفكرية والاجتماعية ويظلم إنجازاته العملية، وبالمقابل كثيرون دخلوا التاريخ وهم لم يبالوا يوما بالشهرة لأنهم ركزوا بمساعيهم الدنيوية على تحقيق المثاليات العليا بدرجة ملحمية، ومن تلك المثاليات زهدهم بالشهرة والمكانة والإطراء، بينما الرغبة في الشهرة الآنية تؤدي للسلوكيات المبتذلة والمتملقة التي تسقط احترام الشخص بعيون من يتملقهم، وفوق هذا يخسر رصيده الأخروي فتكون خسارته مضاعفة.

على المرء أن يمحص ذاته ليعرف حقيقة وماهية دوافعه ومحركاته، ولكي يميزها يحتاج لاكتساب المعرفة الروحية الأخلاقية المعمقة التي تتضمن تشريحا للذات الإنسانية وبيانا لحقائقها وماهيتها وأصلها وعواقبها، وعلى سبيل المثال هناك من يكتب نوعية كتابات تحدث أكبر قدر من الدوي ليحصل على الشهرة المبتذلة بها، كالكتابات عن المواضيع الفاحشة أو المناكفة للنساء بمهاجمتهن، وهناك من يكتب ما فائدته تكون خالدة لكل العصور لأن غايته إفادة وترقية البشرية؛ فأيهما ستكون له الشهرة على المدى الطويل؟ ويكون خيرا وأبقى، والناس عندما تمتحنهم محن الدنيا يبحثون عن القدوة لدى صاحب الشهرة التاريخية وليس صاحب شهرة الترند اليومي.