أنا أحس إذًا أنا موجود
الاثنين - 30 سبتمبر 2024
Mon - 30 Sep 2024
كان إحساسا مؤلما، حين دخل المجلس رجل أعرفه وفي يدي فنجان قهوة سعودية أحتسيها مستمتعا بمذاقها المنعش، بدأ يسلم على الموجودين مصافحة، فلما وصل إلي أمسكت فنجان القهوة الساخن بيدي اليسرى وصافحته باليمنى، لكن الرجل بادرني وسلم علي بالخد عدة مرات مستفيضا بعبارات الترحاب والسؤال، ومع كل مرة كانت أصابعي اليسرى تزداد ولعا واشتعالا.
وعلى سيرة الإحساس - لا حرمنا الله من حلاوته ولا من مرهفي الحس - فإنه من المهم أن تكون حواس الإنسان مفعلة ويكون إحساسه حاضرا، بيد أن البعض تطور معه الأمر فصار يبني أفكاره وقناعاته وقراراته وحتى أحكامه على الآخرين وفق معطى ومعيار واحد فحسب، ألا وهو جملة (أنا أحس) التي يبدأ بها بعض الناس عباراتهم، ولا أعتقد أن التعبير مجازي؛ لأن أولئك صاروا حقيقة يثقون بأحاسيسهم ثقة عمياء وجعلوها المعيار الأفضل والأسهل.
لا يمكن الاعتماد على الحواس لتزويدنا بالمعرفة كما يذكر أفلاطون، والذي يضيف أن كل الأشياء التي يعرفها المرء ويكتشفها من خلال الحواس يجب أن تكون موضع شك.
الإحساس - وهذا كلامي أنا وليس كلام أفلاطون - إنما هو لتسمع نغما وتشم وردا وترى جمالا وتتذوق عسلا وتلمس حريرا؛ لتدرك عظمة الخالق وتكتشف بدائع صنعه عز وجل وتعزز وجودك الإنساني الراقي وتوازن روحك، لا لتجعله وسيلة تقييم وتعامل مع البشر أو تعتمد عليه في رؤاك وأفكارك ومعتقداتك وأعمالك.
قيل لحكيم: هل تحس؟
قال: نعم.
قيل: فماذا تحس؟
قال: لا أدري، فإن الناس وأنا منهم لجأوا إلى وهم الإحساس وتغافلوا عن يقين الحقائق، ولا يكاد ينجو من ذلك أحد.
قيل: فما السبب برأيك؟
قال: أنا أحس أن الفردانية جعلت عددا من أصحابها يسيرون وفق الإحساس في جميع شؤونهم لا وفق المنطق والبراهين والدلائل والصواب، عزز ذلك مبالغات بعض مدارس التنمية البشرية ونحوها الداعية إلى الاستقلالية المطلقة فكريا واجتماعيا والاعتماد التام على النفس وأنك بمفردك قادر على كل شيء، إضافة إلى عبارات رنانة مثل "ثق بحدسك"!، وأي حدس لشخص وسط رسائل وتطبيقات الجوال وزحام الشوارع وزخم الحياة وتقلبات الزمان وتناقضات الأحوال؟! وإن صخب الحياة المتسارع قد طمس الحس والحدس، وإن صدق مرة فقد يخيب ألف مرة.
وبعد أن انتهى الرجل من سلامه تنفست الصعداء، وهممت بعد أن وضعت الفنجان ورأيت أصابعي وقد احمر لونها وبلغ مني الألم مبلغا أن أصيح وأقفز عاليا كما كان يفعل "توم" في أفلام الكرتون عند التعرض لموقف مشابه متجاهلا شماتة "جيري"، لكني "أحسست" أن القوم سيسخرون مني، وفي بعض الكتمان راحة.
وعلى سيرة الإحساس - لا حرمنا الله من حلاوته ولا من مرهفي الحس - فإنه من المهم أن تكون حواس الإنسان مفعلة ويكون إحساسه حاضرا، بيد أن البعض تطور معه الأمر فصار يبني أفكاره وقناعاته وقراراته وحتى أحكامه على الآخرين وفق معطى ومعيار واحد فحسب، ألا وهو جملة (أنا أحس) التي يبدأ بها بعض الناس عباراتهم، ولا أعتقد أن التعبير مجازي؛ لأن أولئك صاروا حقيقة يثقون بأحاسيسهم ثقة عمياء وجعلوها المعيار الأفضل والأسهل.
لا يمكن الاعتماد على الحواس لتزويدنا بالمعرفة كما يذكر أفلاطون، والذي يضيف أن كل الأشياء التي يعرفها المرء ويكتشفها من خلال الحواس يجب أن تكون موضع شك.
الإحساس - وهذا كلامي أنا وليس كلام أفلاطون - إنما هو لتسمع نغما وتشم وردا وترى جمالا وتتذوق عسلا وتلمس حريرا؛ لتدرك عظمة الخالق وتكتشف بدائع صنعه عز وجل وتعزز وجودك الإنساني الراقي وتوازن روحك، لا لتجعله وسيلة تقييم وتعامل مع البشر أو تعتمد عليه في رؤاك وأفكارك ومعتقداتك وأعمالك.
قيل لحكيم: هل تحس؟
قال: نعم.
قيل: فماذا تحس؟
قال: لا أدري، فإن الناس وأنا منهم لجأوا إلى وهم الإحساس وتغافلوا عن يقين الحقائق، ولا يكاد ينجو من ذلك أحد.
قيل: فما السبب برأيك؟
قال: أنا أحس أن الفردانية جعلت عددا من أصحابها يسيرون وفق الإحساس في جميع شؤونهم لا وفق المنطق والبراهين والدلائل والصواب، عزز ذلك مبالغات بعض مدارس التنمية البشرية ونحوها الداعية إلى الاستقلالية المطلقة فكريا واجتماعيا والاعتماد التام على النفس وأنك بمفردك قادر على كل شيء، إضافة إلى عبارات رنانة مثل "ثق بحدسك"!، وأي حدس لشخص وسط رسائل وتطبيقات الجوال وزحام الشوارع وزخم الحياة وتقلبات الزمان وتناقضات الأحوال؟! وإن صخب الحياة المتسارع قد طمس الحس والحدس، وإن صدق مرة فقد يخيب ألف مرة.
وبعد أن انتهى الرجل من سلامه تنفست الصعداء، وهممت بعد أن وضعت الفنجان ورأيت أصابعي وقد احمر لونها وبلغ مني الألم مبلغا أن أصيح وأقفز عاليا كما كان يفعل "توم" في أفلام الكرتون عند التعرض لموقف مشابه متجاهلا شماتة "جيري"، لكني "أحسست" أن القوم سيسخرون مني، وفي بعض الكتمان راحة.