محمد إسحاق

اكتشاف المواهب المدفونة

الخميس - 12 سبتمبر 2024

Thu - 12 Sep 2024

اكتشف البشر القارات وأعماق البحار وأعماق الجبال، وصعدوا للقمر وللفضاء ولا تزال الاكتشافات الكبيرة تتوالى، ولكننا غفلنا عن أعظم مكان للبحث والتنقيب فيه ألا وهو أبناؤنا وطلابنا.

فلدى كل إنسان مواهب واستعداد للنجاح في مجالات محددة.. منها ما يظهر في الصغر والطفولة، في لعب الطفل وتفاعله مع ما حوله من أدوات واستجابته للآخرين.

ومنها ما يظهر خلال سنوات التعليم الأساسي من خلال النبوغ في بعض المجالات المحددة كاللغات والرياضيات والبرمجة وسرعة تعلمها وفهمها.

ومنها ما يظهر متأخرا ويصعب اكتشافه في المراحل التعليمية المتقدمة بسبب الخجل من ردة فعل الآخرين وكلامهم وخشية الظهور بمظهر الغريب عنهم.

ودور الآباء والمربين هو في البحث عن هذه المواهب المدفونة لدى الطلاب، وتشجيعهم على إبرازها وإتاحة الفرصة لتنميتها.

فقد يكون لها بالغ الأثر على حياة الطالب ومسيرته المستقبلية لاحقا، وهي بلا شك ستساعده في تحديد مساره الجامعي الأفضل بالنسبة له.

أذكر أحد الطلاب في الصف الثالث الثانوي كان ذا صوت مميز ومخارج حروف واضحة، سألته عن الإذاعة المدرسية وهل جرب التحدث أمام الطلاب فنفى ذلك، وشدد على تجنب ذلك.

أصررت على الطالب وشجعته وقدمت له كلمة جاهزة للتدرب عليها، واستمعت له وهو يلقي الكلمة بالمكتب بعد إلحاح من قبلي وتردد من الطالب.

وجاء اليوم الموعود وحان دور الطالب ليلقي الكلمة أمام 700 طالب وأكثر من 120 معلما، ووقف هنالك وبدأ بالكلام وألقى الكلمة وحصل على الثناء الطيب والتشجيع، والأهم أن الوهم بأنه عاجز عن القيام بالأمر قد زال والحاجز انكسر.

وقد ساهم هذا الموقف في دخول الطالب لكلية الإعلام، وتخصصه في الإذاعة والتلفزيون وظهوره في عدد من المقابلات المسجلة وتميزه في هذا المجال.

والسؤال الأهم: كم من طالب مغمور بيننا بحاجة إلى من يدفعه أو يساعده لإظهار الموهبة الموجودة عنده؟

وكم طالبا لديه الاستعداد للبروز والتميز ويحتاج إلى البيئة التي تساعده على التجربة واستكشاف مكامن القوة لديه؟

وما الذي يميز الموهوبين وأصحاب المواهب الفذة عن البقية؟

في نظري إننا بحاجة إلى إيجاد برنامج لطلبة المدارس لتجربة أكبر عدد ممكن من المهارات والمجالات بصورة عملية، وعرض النماذج المحلية التي برزت في تلك المواهب لأن هذا ما سيساهم في تحفيز الطالب كونه وجد تجارب قريبة منه ومن بيئته نفسها نجحت وتميزت.

وإذا عرفنا مواهب الطلبة ونقاط القوة لديهم هنا تبرز الحاجة لإيجاد التدريب المكثف لهم الذي سيساهم في الارتقاء بمستوياتهم بشكل قياسي.

فعلى سبيل المثال لو وجد عندنا 15 طالبا موهوبا في الكتابة والتأليف، ولديهم الاستعداد للتعلم، وعملنا لهم برنامجا تدريبيا مكثفا وعالي الطراز مع استعراض أعمال الكتاب والمؤلفين البارزين في المجتمع، وأتحنا الفرصة لملاقاتهم والجلوس معهم ولو شيئا يسيرا، فإن كل ما سبق سيكون له بالغ الأثر في تشكيل هؤلاء الطلبة وربما الدافع لخروج عدد من الأسماء اللامعة مستقبلا في الكتابة والتأليف.

أختم بعبارة ذكرها الدكتور علي الشبيلي عن الموهوبين قال فيها "اكتشف الإنسان المجرات والقارات والعلاجات.. واكتشف إنسان إنسانا آخر.. ثمة شخصيات رائعة، ومبدعة تنتظر فقط من يكتشفها، ويدفع بها للحياة.. ابحث عنهم في داخل بيتك وفصلك الدراسي وقاعتك الجامعية.. كن أحد المكتشفين لهؤلاء فهم استمرار طويل لأجرك".

muhamedishaq@