دكتوران في النار ودكتور في الجنة!
الاثنين - 10 يونيو 2024
Mon - 10 Jun 2024
«المساواة هي أن تتعامل مع الجميع بالمثل. أما الإنصاف فهو ألا يكون الاختلاف عائقا في أن ينال كل ذي حق حقه..». -بيركولت.
يعد التدريس الجامعي أمرا شاقا لكل مخلص يريد لطلابه التميز والإبداع والتخرج من الجامعة بشعلة العلم قبل بريق الشهادة.
ويزداد التدريس بالجامعة صعوبة حينما يعيش الفرد وفق مجتمع به بعض الأفراد الذين لا ينظرون لقيمة المعرفة بقدر ما ينظرون لقيمة العلاقة في تسهيل أمور حياتهم، وفق السبيكة المجتمعية الشهيرة: (تعرف فلان!)، والتي يكثر تداولها في فترة الاختبارات النهائية، ووقت التخرج، وحين القبول بالجامعة.
وكم جرّت (تعرف فلان!) إلى الظلم وبخس الحقوق، وذلك لإرضاء أفراد لا يعرفون الفرد إلا حينما تلوح المصالح في فضاء التواصل الإنساني.
فغالب أولياء الأمور - إلا من رحم ربك - لا ينظر إلى مستوى ابنه في الجامعة، ولا يتفحّص أداء ابنه أو ابنته خلال نقاشات في التخصص يتبين خلالها الكم المعرفي والمهاري الذي حصل عليه الطالب خلال دراسته، ولا يعزز كثير من أولياء الأمور أهمية المعرفة في عقول الأبناء، وإنما يعزز فيهم الحصول على الشهادة في زمن لم يعد للشهادة دور يذكر بلا كم معرفي.
فنحن في زمن قانون الجدارة: Law of Merit الذي يُنقى خلاله القشر من اللُّب، كي يكون الشخص الكفء مكافئا بما يستحق.
ولكن للأسف، قلما نجد من ينظر إلى هذا الأمر من أفراد المجتمع الذين يسعون جاهدين للتواصل وفق ما يسمى في علم الحديث بـ»العنعنة»، يتصل بفلان وعن فلان وعن فلان كي يوصل رسالته للدكتور بأن ينجّح الطالب وهو غير مستحق للنجاح.
وللأسف، ينجرف بعض أساتذة الجامعة للعواطف الجياشة من أولياء الأمور، والبعض منهم ينخدع بسيل المدائح التي تنصب عليه من ولي الأمر، والتي يدس بها مصلحته لنجاح ابنه أو ابنته دون الالتفات إلى جانب آخر وهو (الطالب المجهول) الذي يجتهد ويتعب، ولكن ولي أمره ليس له تواصل أو معرفة أو صاحب قيم عالية يؤمن بـ(المعرفة العلمية) لا (المعرفة الشخصية)، فكيف ستلقى الله غدا إن أسهمت في نجاح شخص لا يستحق النجاح، وأهملت آخر ليس له إليك سبيل.
مما أُثر عن النبي ﷺ أنه قال: (قاضيان في النار وقاض في الجنة)، وأستاذ الجامعة لا يخرج عن هذه الدائرة، فعمله أشبه بالقضاء، فهو قاض مؤمن بالقضاء بين الطلاب بالحق والعدل، فلا ينحاز لطالب تربطه به علاقة، ولا لآخر بينه وبينه قرابة، ولا لثالث من (طرف فلان)، وينسى الذي يكدح ليل نهار وليس له (طرف) يمنحه حق الامتياز، إما ليتم أو لفقر أو لكونه من أسرة ذات قيم عالية لا تذل نفسها بالرجاء والخضوع.
لا أذكر، خلال مسيرتي الأكاديمية بالجامعة، أن أحدهم سألني يوما عن مستوى التحصيل المعرفي لابنه أو ابنته بالقسم، أو كيف يطور مهارات ابنه أو ابنته اللغوية أو الحياتية، بل تسمع منه فقط (لا تقصر مع الولد يا دكتور الله يكتب أجرك)، ولا أعلم أي أجر سيأتي من الجور وعدم العدل.
تذكر عزيزي، يا من أفنيت نفسك للمجاملة وإرضاء الغير، أن لكل أمر غب وسيكون هذا الغب مريرا علقما لن تنجو منه في الدنيا ولا في الآخرة، وتذكر كم ستحمل على كتفك يوم القيامة من الطلاب الذين لم ينالوا نصيبهم من المجاملة والمحسوبية والنفاق، التي تمرّغ بها غيرهم، ونالوا مالا يستحقون، وضع نصب عينيك هذا الحديث عن النبي ﷺ: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا...).