تركي القحطاني

الحوكمة: مفتاح استدامة المنظمات غير الربحية

الاحد - 14 أبريل 2024

Sun - 14 Apr 2024

تواجه أكثر من 60% من المنظمات الخيرية في العالم مشاكل في التمويل وفقا لأحدث الدراسات، وفي الوقت ذاته؛ تتجاوز مساهمة هذا القطاع مبلغ التريليون دولار في الاقتصاد العالمي، فما أسرار هذا القطاع وكيف تبلورت أبرز تحدياته؟
في الوقت الذي تتوجه فيه المنظمات نحو تبني النظريات الربحية في مختلف المجالات، تبرز المنظمات غير الربحية كنبراس أمل يتبنى القيم الإنسانية ويستمد قوته من تفاني العاملين فيه وسخاء الداعمين، إلا أن استقبال الدعم اللامحدود لوحده غير كاف، خصوصا في ظل ضرورة وجود مثلث نجاح المنظمة غير الربحية: الشفافية، الفعالية والاستدامة.

في المملكة، يسعى المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي لنشر الوعي الإداري بشأن أهمية عناصر مثلث النجاح، وذلك عبر تأسيس وتحديث معايير ومؤشرات الحوكمة، لكونها سلاحا قويا ومتينا يمّاكن المنظمة من كسب ثقة المانحين والمجتمع، بجانب دور المنظمة الخيري؛ تؤدي مسؤوليتها الأخلاقية في تحقيق قيم الصدق والشفافية والقدرة على الاستثمار الأمثل للموارد لتصبح مثالا يحتذى به في الإدارة الرشيدة.

بالنظر لكل ما ذكر عن أهمية الحوكمة بشكل عام، وحوكمة المنظمات غير الربحية بشكل خاص، لابد وأن هناك بعض التحديات التي حالت دون تطبيقها بشكل تام في العديد منها، أهمها قصور التنظيمات القانونية عن توضيح بعض النقاط الجوهرية في تطبيق مبادئ الحوكمة، حيث يسبب نقص الإطار التنظيمي ضبابية كبيرة لدى المنظمات وعجز عن الإلمام بالأنظمة وضعف التزام بمبادئ الشفافية والمساءلة.

تتمثل التحديات كذلك في نقص الوعي بأهمية الحوكمة، والتمسك بالأساليب الإدارية القديمة في إدارة وتسيير المنظمة، والاعتقاد السائد بأن الحوكمة من أساليب إدارة القطاعات الربحية فقط، وهنا تتجلى ضرورة الاستمرار والتطوير في نشر ثقافة الحوكمة، من المنظمة نفسها أولا بأن تحرص على أن تكون أنظمتها نابعة من إيمان عامليها بضرورتها لتحقيق حوكمة فعالة، ومن قبل المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بأداء دوره في توجيه المنظمات نحو تحقيق أقصى قدر من الشفافية، الفعالية، والاعتدال في التعامل مع الموارد وتلبية احتياجات المجتمع.

أما عن أكبر التحديات وأهمها في تحقيق الاستدامة المالية، يتمثل الحصول على التمويل هاجسا لدى الكثير من المنظمات، ويغفل العديد منها عن أهمية الحوكمة الرشيدة وتوضيح أُسسها للمانحين في بناء الثقة واستمرارية الحصول على ضمانات مالية، فهي ليست مجرد إطار عمل ينظم العلاقات الداخلية والخارجية للمؤسسات، بل هي سلاح قوي يمكن للمنظمات من خلاله تعزيز مصداقيتها وكسب ثقة المجتمع والمانحين لتظهر لهم قدرتها على الالتزام بالشفافية والمسؤولية.

بحرص المنظمات غير الربحية على تطبيق الحوكمة، ستجد بوصلتها نحو مواجهة التحديات بثبات، وتحقق قفزات نوعية في التأثير على المجتمع والاستدامة المالية، فوفقا لدراسة أجرتها الجمعية الدولية للحوكمة، المنظمات التي تتبنى استراتيجيات حوكمة فعالة تشهد زيادة بنسبة تصل إلى 40% في كفاءة استخدام الموارد وتحسين بنسبة 35% في الشفافية والمساءلة أمام المانحين والمجتمعات التي تخدمها.

إن السعي نحو تطبيق مبادئ الحوكمة ليس مجرد التزام إداري، بل هو عهد نقطعه مع أنفسنا ومع المجتمع لنبني مستقبل أكثر إشراقا وعدلا للجميع، فالمنظمات التي تدرك قيمة هذا العهد وتعمل بجدية لتحقيقه لا تسهم فقط في رفع مستوى القطاع الخيري، بل تسهم في صياغة تاريخ جديد للإنسانية، حيث التعاون والشفافية هما الأساس لتحقيق الخير العام.

في الختام، إن الطريق نحو الحوكمة الرشيدة الشاق ستحصد المنظمة نتائجه في تعزيز مصداقيتها وبناء أساسات قوية ودعم مستدام لقضيتها.


t_alqahtani9@