قد يكمل الثلاثين يوما!

لا طاقة لنا لقد أثقلت علينا مصاعب الحياة، وشقت بنا الأنفس، وعجزت عن حملنا الأقدام، وكفت أيدينا عن الرجاء، وأغلقت في وجوهنا الأبواب، وغاب الدعاء، وحضر اليأس في آخر يومنا حتى صباحنا؛ لقد يئست اللحظات الجميلة عن التقاط أنفاسها لمدة، لا نسمع لها صوتا ولا حديثا، ثم حان الليل الذي يكتسح مساحة كبيرة من صدورنا، وغطى النور الذي كان يسكننا في عتمة الظلام، واختفى نور الفجر الذي نراه في واقعنا.

لقد أتعبتنا وأرهقتنا، لم يعد الليل يبدو جميلا لأولئك الذين يشعرون بالوجع ويخشون لملمة الألم وتضميد الجراح، لا يستطيعون التحدث بلغة مفهومة بل أكثر ما يدور في عقولهم يصل إلى ألسنتهم بتمتمة أضاعت من بينها مجمل الكلمات وحس الكلم والتكلم، حتى تبعثر بداخلهم الطاقة الهائلة التي تسكنهم حتى تصل فيما بعد إلى اللملمة والاستشفاء؛ نعم! سيحاربون جيدا تلك أيامهم وساعاتهم الصعبة بروحانية رمضان، وسكونه وينظرون جيدا بأن ما حدث في السابق بعثرة تزاحم تعيد ترتيبها في ليال مختلفة، الآن يملؤها الهدوء والطمأنينة ويدركون جيدا قيمة الطاقة العالية التي سيعثرون عليها بعدة ركعات ويستشعرون جيدا بعظم هذه السجدات التي تحيط بهم الأمل والانشراح، تلقي ما أثقلت عليهم من هموم وصعاب أرضا حتى يرتاحوا، وهم يفهمون جيدا بأن أكف الدعاء التي يرفعونها لا يصاب صاحبها بخذلان وندم، ويعلمون جيدا بأن الصبر على العسر طريق الصواب الذي يحمل بين طريقه اليسر والفرج، فهذه أيام معدودة لكن تحمل بين صفحاتها وليالها الثلاثين كرما وغفرانا ولطفا ورحمة، ويفتح بها باب من أبواب النعيم وسماع الأمنيات المحققة بإذن لله.

ربيع العمر تلك المرحلة التي تعرف بسن الشباب والفتوة، بمرحلة النشاط والحيوية والجلادة؛ فكيف بمرحلة تعيد النظر بنفسك في شهر من كل عام وتعطيك جرعة كبيرة من الأمل والطمأنينة، عندما يكون هناك ربيع للعمر فهناك ربيع يسمى رمضان، يقع بين الشهور، فهو يجعلك تزهر دون أن تدرك وتعيش مميزا دون أن تتغير وتمتلك قدرة أكبر من إمكاناتك دون أن تشعر بالجهد والتعب، ويجعلك في حياة سعيدة دون أن تطلب وتمتلئ براحة وانشراح دون تكلف، ووسيم الطبع والخلق دون أن تكون بذلك من قبل؛ لأنه يهذب النفس ويجبر القلب ويجمل قيمة الحياة بين يديك وما بين ناظريك.

ليال رمضان تتناغم بين اليوم والذي يليه لا نشعر بثقلها وطول ساعاتها بل على العكس من ذلك تمر بسرعة وتقل يوما بعد آخر، ساعاتها هي رحمة من الله تلزمنا بالعمل والاجتهاد واغتنام الفرصة؛ كل ليلة بمثابة اطمئنان فكيف بليلة واحدة «ليلة القدر» تجعلك تشعر وكأنك ملكا في أرضك وتنعم بين أملاكك، هي ليلة واحدة تجعلك هكذا مع أنك لا تدرك أهي في أواخر العشر الوترية أو منتصفها أو أولها؟ فقط تخبرك بأنك قريب ما بين تلبية رغباتك وما بين تحقيق أمنياتك وكل ما تريد سوف يتحقق بعون الله؛ فقد يكتب بها عمر جديد أو تحقق بها أمنية ضائعة لم تتحقق منذ سنين حيث عطايا الله لا تنفد أبدا، هي عدة ليال شارفت على الانتهاء تمنحك العيش منفردا بينك وبين الله في كل يوم تستيقظ فيه تقف بقلب صادق ثم تسجد بإخلاص وتلح بالدعاء وتنتظر الفرج فساعة الإجابة قريب فقط ثق بالله واغتنم الفرصة بما تبقى من هذه الليالي المباركة.


3ny_dh@