فتنة الكرزة الألمعية العسيرية

بين إبهامي والسبابة، وقعت بلا حول منها ولا قوة، فاتنة الجمال، بحجم الكرزة، واسم أمها الكرزة، لونها محمر آسر، تركت أناملي تصارع رفق ملمسها الناعم، بها حلاوة السكر، استدارتها ترقص نغما بلا صوت، وقدومها غيم يلمح طهره برقا لاح بين ناظري، وبلا تردد ذكرت الله وتعوذت من إبليس وأفكاره المغوية لأبناء جنسنا.

تساءلت: أهذه من مجالسها تجلب الأنس والسعادة؟! من تحضر معها الشيم والتقاليد؟! من تمد العقول بالطاقة؟! أهي التي كانت يمنع دخولها إلى نجد خوفا من حرمتها مع القادمين من الحجاز بعد موسم حج بيت الله الحرام؟!

بين صراع الخيال وحصار الأسئلة حضرت صورة رجل مزارع عربي سعودي أصيل، وهو يحتسي القهوة السعودية المرة، في كأس صغيرة دون مقبض يسمى الفنجال، وما إن استقرت عيناه نحوي، حتى مدّ لي فنجانه الأبيض الصغير حجما، الكبير قدرا، فتناولته وأنا أردد طربا قول الشاعر:

أهلا بصافي قهوة كالإثمد
جلیت فزانت بالخمار الأسود
لما أديرت في كؤوس لجينها
بیمین ساق كالميزان الأخلد
طرفا كحيلا لا بكحل المرود
تعانق بياض إنائها وشقارها

هذا المشهد حضر بتفاصيل يصعب حصرها في مهرجان البن الأول بمحافظة رجال ألمع بمنطقة عسير، الذي انتهت فعالياته أمس، أجادت تنظيمه الجمعية التعاونية للبن في المحافظة نفسها بما كان ممكنا.

دخلت المهرجان كمتذوق للقهوة من جميع سلالات الأرض، وخرجت متيما بإنتاج شتلات البن السعودي التي يزيد عمرها على ثلاثة قرون، سواء كان ألمعيا أو حجازيا، من محصول أشجار الكرزة التي كادت تفتني حلاوة مذاقها في أول المقال أو من غيرها، ولا يهم أن ترعرعت في قمم الجبال أو سهله التهامي الخصيب، المهم أنها سعودية ومدرجة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة الآن، وفي يوم 29 سبتمبر من كل عام سنحتفل بيوم قهوتنا السعودية.

إن تشريف سمو الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير للمهرجان، زاده تألقا، ومعالجة بعض الملاحظات التي حرص على إبلاغها المنظمون ستجعلنا في شوق للقادم بإذن الله.

أخيرا، من عيوبي لا أكتم سرا فيه مصلحة، فبشهادة موظفي تعاونية البن، حفظ المواطن (محمد علي أبوساهية العسيري) من مزارعي البن في (حسوة المغلبة)؛ وهو رجل وقور، طاعن في السن، سلالة بن الكرزة، التي ورثها عن جده وجد جده، منذ أكثر من 300 عام، بل إن إنتاج مزرعته يزيد على 30 ألف شتلة لشجرة كرزة البن، والرقم رسميا موثق في وزارة الزراعة، وله مبادرة تتمثل بمنح أي مزارع جديد 100 شتلة بلا مقابل، إلا أنه أسر لي بعتبه على المسؤولين في المحافظة والزراعة، لعدم تقدير جهده ولو بتكريم بسيط.

بقي أن أشكر نادي الإرشاد السياحي في عسير، وعلى رأسهم رئيس النادي الأستاذ (زكي العريفي) لدعوتهم لي، وقبول مرافقتي لهم لزيارة هذا المهرجان. دمتم ودام روقانكم.

hq22222@