استثمارات أكاديمية واعدة.. هل من سبيل؟!

إذا ما ذكرت الصناديق الاستثمارية الحديثة فإن الصندوق السعودي للاستثمارات العامة يأتي في طليعتها، إذ يتمتع هذا الصندوق بقيادة عصرية متميزة ومتفوقة تقود استثماراته العالمية بكل كفاءة واقتدار، وتنشط في مجالات مختلفة، داخلية وخارجية، ولا أدل على نجاح استثماراته وتفوقها وانتشارها إلا طبيعة ما يحوز عليه من استثمارات وما يحظى به من حضور عالمي بارز ومنافس، ومن ذلك على سبيل المثال حضوره في الاستثمارات الرياضية، فبعد استحواذ الصندوق على نادي نيوكاسل البريطاني وقرب استحواذه على نادي مرسيليا الفرنسي، واستحواذه على أندية محلية ذات شعبية عالمية كنادي النصر السعودي، يتبادر إلى ذهني كأكاديمي ومتابع لنشاط الصندوق التساؤل التالي: هل هناك إمكانية لاستحواذ الصندوق على إحدى الجامعات المحلية واستثمار طاقاتها البشرية ومواردها المالية بشكل أمثل؟

في اعتقادي أن حدوث مثل هذا الأمر ليس مستحيلا، ولا صعبا، والفرصة في هذا المجال أصبحت مهيأة لصندوق الاستثمارات العامة أكثر من ذي قبل، خاصة في ظل استقلال بعض الجامعات، وتطور أنظمة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بشكل مذهل ومشجع، وانفتاح المجتمع على السياحة والترفيه وبالتالي نمو مؤشرات رفاهيته وجودة حياته، وكما أن لاستثمار الصندوق في الجامعات مردودات مالية ولو على المدى البعيد، فإن ولوجه في هذا المجال سيؤسس في الجامعات نهضة علمية وقفزة حضارية حقيقية، مرجعها الأول الاستثمار ووقودها المنافسة وغايتها النجاح.

في الأسبوع قبل الماضي تداول الناس على نطاق واسع حديث أكاديمية سعودية لا ترى سعودة الجامعات المحلية، وعللت رأيها بأهمية تلاقح الأفكار وتنويع مصادر المعرفة، وأن هذا هو ما يحدث في جامعات العالم المتقدمة، وهي محقة فيما ذهبت إليه ولو جزئيا، لكن الحديث عن ملاقحة الأفكار ومزاوجة الأفهام لا يأتي قبل الحديث عن تهيئة البيئة الحاضنة، لا أعنى فقط من ناحية البنى التحتية الخرسانية والمكاتب الفاخرة والمظاهر الجمالية، لا، ولكن من ناحية البنى الإدارية الصحيحة، إذ إنه لا يمكن الحديث عن جودة الأفكار ونضوج الأفهام -على الأقل في التخصصات العلمية المادية- قبل خلق أجواء إدارية ناجحة وفرص استثمارية واعدة.

أي نعم الإدارات التقليدية ذات الرؤى المؤطرة والنجاحات الشكلية والسببية المؤقتة نجحت في تسيير وتصريف الأعمال نجاحا مكررا، إلا أنها تأخرت نسبيا عن مواكبة التطورات والابتكارات العلمية الحديثة، ولذلك فهذا النوع من الإدارات لم يعد ذا جدوى حقيقية في عالم تشتد فيه المنافسة وتتطور معه أدواتها وتتنوع أغراضها، فمثل هذه الإدارات المتقوقعة على ذاتها لا يمكن الاستثمار فيها بطرق عصرية تتناسب وحجم التحديات وعظم المخاطر، أي نعم قد تصلح تاريخا مرحليا للنسيان، تطويه مستجدات العصر وبواعث التفوق ونوازع التميز الحقيقي، وتتجاوزه المؤسسات التعليمية الناجحة، وتبني على حطامه وأنقاضه ما قد يؤسس لمرحلة جديدة من النمو الإداري الصحيح.

انظروا معي في تطور الرياضة السعودية، وعلى الأخص كرة القدم، وكيف أصبح نادي النصر ونجمه العالمي (كريستيانو رونالدو) محل اهتمام العالم بأسره، شرقه وغربه، وانظروا لجماليات الكرة التي يقدمها لاعبو النصر، ومدى تفوقهم وانتشار أخبارهم، فالنصر لم يعد فريقا محليا، ولا عاديا، بل أصبح بفعل الصندوق فريقا عالميا كما هو حال ريال مدريد وبايرن ميونخ أو مانشستر ستي، ثم تخيلوا معي جامعة سعودية يملكها صندوق الاستثمارات العامة ويتعاقد لها مع ثلاثة أو أربعة علماء ممن حازوا على جائزة نوبل في الفيزياء أو الكيمياء أو في الاقتصاد أو الأدب، يعملون فيها عملا مباشرا، ويوجهون زملاءهم من الأساتذة المحليين توجيها مثمرا ومؤثرا، تماما كما يفعل رونالدو مع نجوم النصر المحليين!

لا أبالغ إن قلت إنني على يقين لا يخالطه شك البتة أنه إذا ما استحوذ الصندوق على إحدى الجامعات المحلية استحواذا كليا أو جزئيا فإنها في غضون سنوات قلائل ستصبح جامعة عالمية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وسوف تتنافس مع جامعات عريقة ومرموقة كجامعات هارفارد وأوكسفورد وبرينستون، ولعلي أربط هذا اليقين القاطع ربطا مباشرا بنجاح الصندوق ونجاح من يديره ويرعى استثماراته، كيف لا ورئيس مجلس إدارته سمو ولي العهد الأمير الملهم الفذ محمد بن سلمان حفظه الله!

drbmaz@