بسمة السيوفي

القلوب لدى الحناجر..

الثلاثاء - 14 نوفمبر 2023

Tue - 14 Nov 2023

تشخص القلوب من الصدور إلى منتهى الحلقوم. تتعلق فلا تستطيع العودة إلى مكانها، ولا هي تستكين هادئة، فالحقائق واضحة أمام أعيننا ولا يمكن تجاهل المشهد السياسي، وما يدور حولنا من تدخلات غربية في مصائر الشعوب العربية.

هناك إصرار على التفتيت والتفريق لدول المنطقة عبر زرع الفتن وتعزيز الاختلاف بين أفراد الوطن الواحد، بالمذهب أو العرق أو اللون، والغرق في الظنيات لدرجة التفكيك والتوجس، ليصبح المناضل إرهابيا والمدافع عن حقه متطاولا.

وتعود القضية الفلسطينية إلى الساحة، وإن كانت لم تغب، ولا توجد جهة عاقلة الآن ستزايد على المواقف العربية الرسمية. بايدن يقول إنه لا عودة إلى الوراء، ونتنياهو يعدّ بتغيير الشرق الأوسط.

القضية الفلسطينية ليست إسماعيل هنية، ولا خالد مشعل، هؤلاء معروف انتماؤهم، ويعملون على إشعال جبهة غزة لتصدير أزمة إيران بعيدا عن أراضيها، القضية هي جر ويلات استشهد فيها أكثر من 11 ألفا من الأطفال والشيوخ والنساء إلى الآن.

دُمرت غزة تقريبا كليا؛ ليخرج مسؤولو حماس بتصريح «إنهم مستعدون للمفاوضات السياسية لحل الدولتين وعاصمتها القدس».

وهم على وشك عقد صفقة لتبادل المحتجزين بواسطة قطر، وفق ما كتبته الواشنطن بوست.

عادوا إلى المربع الأول، حاملين وزر التفريط بحياة الأبرياء، في محاولة لإحباط سياسات الحكومة الإسرائيلية في الفصل بين السلام الإقليمي، المتمثل في اتفاقات التفاوض، وبين حل القضية الفلسطينية.

أما عن بداية الصراع، فقد استهلته حماس بإطلاق مباغت لوابل من الصواريخ من قطاع غزة، إضافة إلى عبور مسلحين السياج الحدودي.

وقد عدّته إسرائيل «11 سبتمبر أخرى»، وفق تصريحات أحد مسؤوليها، فشنت ضربات على أهداف في غزة، واستدعت جنود الاحتياط، واستهدفت الغارات الجوية المكثفة القادة العسكريين لحماس، وبنية غزة التحتية لمنطقة يبلغ طولها 40 كلم فقط.

إلا أن قواتها الجوية ضربت غزة بأكثر من 6 آلاف قنبلة.

وتعتقد إسرائيل أن حماس لديها نحو 30 ألف جندي، لذا كانت تستعد منذ سنوات عبر تدريب الجنود في موقع يحاكي ظروف غزة بمنطقة جنوب إسرائيل، والذي يطلق عليه اسم غزة المصغرة.

هناك تدرب الجنود على كيفية القتال عبر متاهة من المباني والأنفاق المكتظة، التي يعتقد أن حماس أنشأت أكثر من ألف منها، كما جهزت إسرائيل فرقا متخصصة في حرب الأنفاق، بما في ذلك وحدة هندسية تسمى يهلوم، ووحدة الكلاب أوكيتز.

إن المراقب للمشهد السياسي يلاحظ كثافة الزيارات الدبلوماسية التي يقوم بها كبار السياسيين الغربيين لإسرائيل، لحشد الدعم الدولي والتنسيق لاستمرار المشهد المأساوي، وفي ظل احتمال طول أمد الحرب، وتزايد حجم الخسائر في صفوف المدنيين على الجانبين، ورغم المفارقة النسبية في الخسائر البشرية، إلا أن هناك قراءات تتوقع استمرار مشهد الإبادة الجماعية، لتحقيق أهداف استراتيجية تخطط لمرحلة ما بعد محو غزة من الخارطة، وشرق أوسط جديد، يغرق المنطقة بأسرها في مشكلات اقتصادية وسياسية صعبة.

وهناك سيناريو آخر، يرجح تراجع الدعم والتضامن من دول الغرب مع إسرائيل، في ظل غطرسة الاحتلال وحرب الإبادة والتهديد. وتصاعد حالة الغليان التي تعيشها المنطقة العربية.

كما أن عقد القمة العربية المشتركة الاستثنائية في الرياض، وصدور البيان الختامي الذي شمل 31 بندا لدعم الشعب الفلسطيني، والضغط لوقف الحرب الإسرائيلية المتوحشة، وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتجريم الممارسات التي يرتكبها «الاحتلال الاستعماري» في الضفة الغربية، لهو رسالة إلى العالم الغربي ببداية اصطفاف جديد في المنطقة العربية، تقوده السعودية ومصر وقطر وتركيا، ودول أخرى.

هدف إسرائيل المعلن هو تدمير حماس.

وهم، كما يصرحون، بحاجة إلى القيام بشيء أكثر دراماتيكية وأكثر حسما لردع أعداء إسرائيل الآخرين في المنطقة، أي حزب الله وإيران.

وقد خرج نتنياهو مهددا بأن أي تدخل لحزب الله سيدمر بيروت.. محذرا سوريا من عواقب استغلال حرب غزة.

رغم قصفهم مطار دمشق، واستهداف مناطق أخرى منذ بداية الحرب.

ورغم أن العملية العسكرية مبرمج لها.. إلا أن المعطيات الحديثة تشير إلى أن أي غزو لن يتم وفق ما يتوقع له من خطة أو نتائج.

فحتى أكثر الجيوش تقدما في العالم قد تتعثر ويطول أمدها، كما حدث لروسيا في أوكرانيا، وما حدث لأمريكا في فيتنام وأفغانستان.

ورغم تصاعد وتيرة الاحتجاج في أمريكا، كما حدث أخيرا في جلسة وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مجلس الشيوخ الأمريكي، إذ احتج بعض معارضي السياسة الأمريكية الخارجية، عبر رفع لافتات تطالب بإيقاف مسرحية الإبادة الجماعية في غزة، إلا أن مسرحية الانتهاك للقانون الدولي في الحروب مستمرة برعاية غربية، وتنديد وشجب واستنكار من الدول العربية.

الوقف الفوري لإطلاق النار وحقن الدماء هو الأولوية في المرحلة القادمة، وهذا ما طالب به البيان الختامي للقمة العربية الاستثنائية.

لا بد من وقف العدوان على غزة بكل الجهود الدبلوماسية والإنسانية الممكنة، لأن عدم الانصياع الفوري لكل المناشدات سيفضي إلى نتائج كارثية، لن تحقق السلام الذي لا بد أن يتعامل مع القضية الفلسطينية من جذورها.

وبينما تغرق أمريكا ودول الغرب في مستنقع عربي وخليجي، قد يحرمها من أن تبقى القطب الذي يدير العالم في ظل وجود أقطاب جديدة كروسيا والهند والصين، يبقى التساؤل الجوهري: هل سيصنع العرب مستقبلهم، أم سينتظرون تشكل النظام العالمي الجديد؟!

القلوب لدى الحناجر فاللهم سلّم.

smileofswords@