عبدالخالق المحمد

دعونا على إسرائيل فتعمرت ولفلسطين فتهدمت

الاثنين - 30 أكتوبر 2023

Mon - 30 Oct 2023

لقد ضجت صفحات الناس ورسائلهم ومحادثاتهم بالدعاء للفلسطينيين والدعاء على دولة إسرائيل بالهلاك والخسران، وهذا الأمر هو مقدوح الزناد منذ قرابة ثمانين عاما حين بدأ احتلال فلسطين.

فإن المسلمين يلهجون بالدعاء جل أوقاتهم على اليهود وإسرائيل بالخراب والخسران وللفلسطينيين بالنصر والتمكين ولو استنطقت محاريبهم لرددت تلك الدعوات.

ولكن الواقع أن إسرائيل قد تعمرت وازدهرت وأصبحت مدنا نموذجية عالمية ونمت فصارت قوة اقتصادية وسياسية كبيرة وفلسطين إلى زوال وخراب بل وغالب العالم الإسلامي فيما نرى.

ان الخطأ والخلط في فهم مسألتي الدعاء وبناء الله الكون على سنة السببية هو عام وطام على المسلمين.

فلو كان لدينا وظيفة وعدة متقدمين وهي تشترط إتقان اللغة الإنجليزية وبرمجية حاسوبية معينة، فكان أحد المتقدمين أفضل من البقية من خلال الاختبارات في هذين الشرطين.

وكان غيره يتفاوتون في إجادة هذه الأسباب ولكنهم كانوا أكثر منه دعاء لله في الفوز بهذه الوظيفة.

فمن العدل أن يفوز بهذه الوظيفة عند أصحاب الفطرة السليمة من أجاد بالسبب الحقيقي الذي بمقدور العبد وهو إتقان اللغة والبرمجة.

بل وهو الواقع ولا يظلم ربك أحدا.

لقد بنى الله الكون على سنة السببية فمن أخذ بأسباب الشيء الموضوعة له ظفر به، ومن كان أكمل في تحصيل هذه الأسباب كان أقرب من غيره.

ومن عدل الله سبحانه وتعالى أن جعل هذه الأسباب متاحة بيد العبيد مؤمنهم وكافرهم فمن أخذ بها على غيره.

ومن قال إن الدعاء أقوى من سبب الشيء الموضوع له فقد أخطأ، وخالف إرادة الله في الكون؛ وأدلة ذلك وأمثلته كثيرة ولعلي أضرب مثالا ساطعا يبين ذلك: ففي كل الغزوات كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن ينصرهم على عدوهم ويستعين بالله وكان دعاؤه لله بعد استنفاد جميع الأسباب التي بيد العبد ووسعه من التجهيز والإعداد، كما في بدر فحين خرج الجيش معه وأعدوا ما استطاعوا من قوة ومن تجهيز واختيار موقع مناسب وكل سبب يؤهلهم للنصر وبعد أن نصب عريشه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتفقد الرجال، وينظم الصفوف، ويذكر بالله، واليوم الآخر، ثم يعود إلى العريش الذي هيئ له، فيستغرق في الدعاء الخاشع، ويستغيث بإمداد الرحمن كما جاء في فقه السيرة.

وأما في أحد فقد دعا الله واستعان به كعادته صلى الله عليه وسلم في كل شؤونه أن ينصرهم وقد كان الفلج والنصر في بداية المعركة للمسلمين حتى قام بعض المسلمين بالتخلي عن سبب من الأسباب المادية الموضوعة للنصر وهو التمركز على جبل الرماة فكانت الهزيمة للمسلمين لعدم الأخذ بهذا السبب ولم يسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم لماذا لم ننتصر وقد دعوت الله لنا أليس إجابة دعوتك من دلائل النبوة؟ ولم يقل النبي ربي لم تجب دعوتي.. فقد علم الصحابة والنبي أن الهزيمة كانت بالتخلي عن هذا السبب المادي وليس للدعاء وتخلفه ناقة ولا جمل فيها.

فقال الله: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون...).

بل إن الله عز وجل حتى في معجزات أنبيائه رباهم على أن الكون مبني على سنة السببية، فهذا نوح عليه السلام بعد أن دعا الله أمره الله أن يبني السفينة بنفسه التي هي سبب للنجاة ويحمل فيها من الدواب والهوام ثم جعل الماء الذي غطى الدنيا بأسباب فقال: (وفجرنا الأرض عيونا) وقال (وفتحنا أبواب السماء بماء منهمر).

ومع موسى عليه السلام لم ينشق البحر هكذا مع قدرة الله على ذلك بل وجه لموسى ما هو سبب فقال (اضرب بعصاك البحر).

لقد أمضى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاما وهو يبحث عن من ينصره ويأويه؛ لأنه علم أن سبب نشر الدين وبزوغه وظهوره على أعدائه بهذه الأسباب وليس الركون في غار حراء والدعاء.

وموقف عمر بن الخطاب معلوم مع من كان يدعو في المسجد بالرزق فقال له لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

وإلى غير ذلك من الأدلة.

وهؤلاء الذين لا يعجبهم هذا الكلام هم أشد الناس إنكارا عليك لو قلت لن أصلي الصلوات وسأدعو الله أن يدخلني الجنة أو لن أقوم بالواجبات وسأدعو الله أن يغفر لي فالدعاء كما تقولون سبب لدخول الجنة والمغفرة.

فسيقولون ولكن هناك أسباب وضعها الله للإجابة منها الصلاة والقيام بالواجبات.

وهكذا هو كلامنا أن الدعاء بالنصر والتمكين مشروطة إجابته بالأخذ بالأسباب التي وضعها الله له.

ليس صحيحا أننا لا نملك إلا الدعاء فهذه الجملة تقال لإزاحة تأنيب الضمير وتخفيف عبء القيام بالأسباب الحقيقية المضنية والمتعبة للنفس في تحصيل التفوق والغلبة.

فنحن نعلم يقينا خلال السنوات القادمة ستكون لغة الذكاء الاصطناعي وغيرها من الأمور العلمية الحديثة هي داعي التفوق والتميز فهل سيضني أحدنا نفسه في تعلمها والتقدم والبراعة فيها.

بل لو قلنا عزيزي القارئ إن كل واحد منا هل هو يقوم بعمله بكل إخلاص وإتقان حتى يتميز فيه؟
يريد أحدنا أن يغير الأحداث الكبرى ويضع اللوم على أسباب ليست بيده وهو لم يقم بالأسباب التي يستطيعها في متناول يده!

أتهزأ بالدعاء وتزدريه
وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن
لها أمد وللأمد انقضاء

فنقول نثرا: اهزأ بالداعي وأمتريه، فهلا بالسبب عقد الرجاء، فتوكل بلا عقال لهو، ودعاء بلا سبب ثغاء.

من دعا الله وما أخذ السبب فقد هزأ بربه.