ماذا يحدث في السر بين طالبان وروسيا؟

آمنة فايد: عدو مشترك يعزز العلاقات الدافئة بين بوتين والحكومة المعزولة دوليا
آمنة فايد: عدو مشترك يعزز العلاقات الدافئة بين بوتين والحكومة المعزولة دوليا

الأحد - 08 أكتوبر 2023

Sun - 08 Oct 2023


شهدت مدينة قازان الروسية عقد الجلسة الخامسة من مؤتمر «صيغة موسكو»، لمناقشة كثير من الملفات المرتبطة بالوضع الراهن في أفغانستان، والتي من أبرزها وأهمها تشكيل الحكومة السياسية الشاملة، التي وعدت حركة طالبان بتشكيلها منذ وصولها إلى السلطة في أغسطس 2021.

استعرضت الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية آمنة فايد، تطورات العلاقة التي تبدو في بعض تفاصيلها سرية بين روسيا وطالبان، ولفتت إلى أن المؤتمر نفسه ناقش قضايا تعزيز الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب والجريمة المتعلقة بالمخدرات، وإعادة إعمار البلاد خلال مرحلة ما بعد الصراع، بحضور وفد دبلوماسي من حكومة طالبان الأفغانية الموقتة كضيف غير مشارك في الاجتماعات، إلى جانب مُمثلي عدد من الدول المعنية بالشأن الأفغاني وهي: روسيا، الصين، باكستان، إيران، الهند، دول آسيا الوسطى، وبعض الدول الأخرى كمراقبين.

تساؤلات مشروعة
اللافت في رأي المحللة الاستراتيجية، أنه تم توجيه الدعوة إلى الحكومة الأفغانية الموقتة، رغم العزوف عن دعوتها خلال الجلسة الرابعة، والتي عقدت في نوفمبر 2022، وهو الأمر الذي يطرح كثيرا من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين موسكو وطالبان، وما إذا كانت هذه الدعوة – التي جاءت في ضوء كثير من المُتغيرات والمُستجدات الأخرى على الساحتين الروسية والأفغانية - قد تحمل في طياتها دلالات بشأن مساعي روسيا للتقارب مع طالبان خلال المرحلة القادمة.

علاقات متأرجحة
مرت العلاقات بين روسيا وحركة طالبان - تاريخيا - بأطوار ومراحل مختلفة، فخلال فترة حكم طالبان الأولى (1996 – 2001)، غلبت التوترات على العلاقة بين الجانبين، سواء من جانب طالبان التي اعترفت -آنذاك- باستقلال جمهورية الشيشان الروسية في شمال القوقاز، أو من جانب موسكو التي وصفت نظام طالبان الإسلامي بالمتطرف، ودعمت غزو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها لأفغانستان عام 2001، لانتزاع الحكم من طالبان في ضوء الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب عالميا، حتى تصنيف روسيا الحركة بموجب القانون الروسي على أنها جماعة إرهابية عام 2003.
لكن منذ 2007 شهدت العلاقات الروسية مع طالبان بعض التطورات الإيجابية، وبدأ الحديث عن وجود محادثات وتنسيقات سرية بشأن ملف مكافحة تهريب المخدرات من أفغانستان إلى دول آسيا الوسطى.

عدو مشترك
تقول الخبيرة آمنة فايد: «في ضوء تنامي العلاقة بين الجانبين، صرح مسؤول كبير من الحركة في 2016: «لنا عدو مشترك،.. كنا نحتاج الدعم للتخلص من الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان، وكانت روسيا تريد خروج كل القوات الأجنبية من أفغانستان بأسرع ما يمكن»[3].
واتهم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، ريكس تيلرسون، في 2017، روسيا بأنها تدعم مقاتلي حركة طالبان بالأسلحة في حربهم ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
وربما تبلور التحول الأبرز في مسار العلاقات بين الجانبين في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، واستيلاء حركة طالبان على الحكم في أغسطس 2021.
فبينما سارعت الدول الغربية إلى إغلاق سفاراتها وإجلاء دبلوماسيها، ظلت السفارة الروسية مفتوحة وكان السفير الروسي، ديمتري جيرنوف، أول دبلوماسي أجنبي يلتقي بممثلي طالبان.

أسباب التقارب
جاءت دعوة طالبان لحضور «صيغة موسكو» هذا العام على خلفية مجموعة من الدوافع والمصالح المشتركة، التي تجمع روسيا وطالبان على كل المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والتي يعدها البعض مُنطلقة من مبدأ «عدو عدوي صديقي». وتشير المحللة السياسية إلى أن التحايل على العقوبات الاقتصادية أحد أهم عوامل التقارب، فرغم تباين السياقات والأسباب، إلا أن العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على كل من أفغانستان وروسيا، قد خلفت حالة من العزلة الاقتصادية -النسبية- لكلا الجانبين على المستويين الإقليمي والدولي، وتسببت في إخراجهما من النظام المصرفي العالمي، الأمر الذي دفعهما للبحث عن حلول ومسارات مختلفة للخروج من حالة الخناق المفروضة عليهما. وتعد طالبان روسيا شريكا اقتصاديا جاذبا، لقدرته على تأمين احتياجات أفغانستان من إمدادات النفط والغاز التي يعاني الاقتصاد الأفغاني من محدوديتها، الأمر الذي جعل من روسيا خيارا حيويا بالنسبة لأفغانستان.

قائمة الإرهاب
تسعى طالبان منذ بداية حكمها في أغسطس 2021، إلى الحصول على الاعتراف الدولي بها كحكومة شرعية في أفغانستان، لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتعزيز تدفقات المساعدات الإنسانية والموارد إلى البلاد، لدعم مساعي إعادة الأعمار وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بما يضمن لها الحصول على الشرعية في الشارع الأفغاني، ويُسهم في تعزيز مقاليد حكمها للبلاد، وبالتالي تجد الحركة أن مسألة استمرار العلاقات الدبلوماسية مع موسكو، إلى جانب الشراكات والروابط الاستثمارية والتجارية الحيوية والمهمة، وفي ظل وجود قواسم مشتركة بين الجانبين، بشأن موقفهما المناهض للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، كل ذلك قد يجعل فرصة إزالتها من قائمة الإرهاب الروسية، والاعتراف بها أكبر.

ملف الأسلحة
وفقا لآمنة فايد، مثلت الطائرات والصواريخ والمركبات وغيرها من المعدات العسكرية والأسلحة، التي خلفتها القوات الأمريكية أثناء انسحابها من أفغانستان، وأصبحت في حوزة حركة طالبان الآن، والتي تُقدر بحوالي 70% من إجمالي الأسلحة الأمريكية في أفغانستان، هدفا حيويا بالنسبة لروسيا، ولا سيما بعد أن تكبدت خسائر فادحة في حربها مع أوكرانيا، وأصبح من الصعب عليها تصنيع أسلحة بمستويات ما قبل الحرب، بسبب العقوبات المفروضة عليها. أما بالنسبة لطالبان، فعلى الأرجح قد تستغل الحركة تلك المعدات والأسلحة في إبرام صفقات الطاقة مع موسكو، خاصة أن أفغانستان تحتاج إلى استيراد المنتجات النفطية بدلا من الخام، لصعوبة توفير إمكانات وموارد التكرير في المصانع الأفغانية.

التقارب بين روسيا وطالبان.. لماذا؟
  • كسر العقوبات الأمريكية المفروضة على الجانبين.
  • رغبة طالبان في الحصول على اعتراف دولي عالمي.
  • مواجهة داعش التي تعد أفغانستان أحد مواطنها.
  • قضية الأسلحة التي تركتها أمريكا في كابل.