علي المطوع

حروب العصابات.. من الأرض إلى السماء

الأحد - 17 سبتمبر 2023

Sun - 17 Sep 2023

اضرب واهرب، مصطلح عسكري يعرفه العسكريون جيدا، ويقصد به، وفق إمكاناتك وقدراتك تقوم بضرب عدوك، في نقاط مفصلية مؤلمة ثم تختفي، تُوقع فيه كثيرا من الخسائر في أسرع وقت وبأقل التكاليف، وهذا ما يسمى أيضا بحرب العصابات.

ومع التحولات العسكرية الحديثة، انتقل هذا المفهوم من الأرض إلى السماء، لتصبح الأخيرة آخر ساحاته ومساحته، وذلك بعد أن تم تطوير الطائرات العسكرية المسيرة، لتصبح ذراعا عسكرية فاعلة تضرب أعماق العدو وتوقع فيه كثيرا من الخسائر المادية والمعنوية وبأقل التكاليف، كون الأداة مجرد جسم طائر صغير، وزنه بسيط وقليل قياسا بالطائرات العسكرية التقليدية، محملة أحيانا ببعض أنواع المتفجرات البسيطة والصواريخ في أحيان أخرى، والتي تتطور يوما بعد يوم ليصبح أثرها وتأثيرها فاعلين في الحروب العسكرية في العقود القادمة.

الموازين العسكرية في طريقها الى التغير، والطائرات المسيرة فتح عسكري جديد كون تصنيعها صار في متناول الجميع، ربما الفرق يكمن في التقنيات التي تزود بها، وهذا الأمر يمكن إدراكه وتداركه واللحاق بركب رواده، متى ما توافرت الإرادة والدراية لتصنيع هذا النوع من الطائرات بتقنياتها المتقنة وملحقاتها المتطورة.

قبل أشهر عدة، وفي أتون الحرب الروسية في أوكرانيا، فاجأتنا وسائل الإعلام العالمية بحدوث اختراق أمني عسكري كبير، تمثل في ضرب الكرملين معقل الحكومة الروسية ورمزيتها السياسية الأولى، هذه الحادثة رسخت قناعة جديدة في عقول كل المتابعين للشؤون العسكرية والمتخصصين أيضا؛ أن الطائرات المسيرة قد أصبحت سلاحا فتاكا خطيرا، تستطيع خلاله أن تضرب عدوك في عمق أعماقه، وبخسائر صفرية تضمن لك الجرأة والمغامرة وربما المقامرة!

لعلنا نتذكر حادثة استهداف أحد القادة العسكريين والضجة التي صاحبت العملية، يقال إن الأمريكان استخدموا في تلك العملية طائرة من نوع ريبر، هي من تكفلت بالعملية التي أصبحت منعطفا عسكريا مهما في استخدام هذا النوع من المسيرات، والذي سيصبح في قادم الأيام السلاح الأكثر فاعلية ومرونة في الحروب العسكرية القادمة.

قد يصبح الأفراد العاديون، خاصة في المجتمعات التي تعصف بها الفوضى، صناعا وملاكا لمثل هذا النوع من الطائرات، وهذا أمر مقلق ومكلف لتلك المجتمعات غير المستقرة وجيرانها الأقربين.

فالمجرمون في تلك المجتمعات الفوضوية يريدون تحقيق غاياتهم ومآربهم الإجرامية بأي وسيلة مهما كان ثمنها.

وثمن تصنيع مثل هذه المسيرات ليس مكلفا، بل إنه سيكون في متناول أولئك الأفراد ومنظماتهم الإجرامية الخطرة المتعطشة للقتل والفتك والتدمير.

وقبل الختام، يجب أن نتذكر ونذكر أن الحروب بقدر بشاعتها وألم نتائجها، إلا أن التاريخ يقول؛ إنها كانت الأزمان المثلى لتلك النقلات الإنسانية العلمية المهمة، على مستوى الاختراعات والاكتشافات، فقد أسهمت تلك الحروب في تسريع عجلة إيجادها، ثم إنتاجها خدمة للمجهود الحربي أولا، ولتصبح فيما بعد مخترعات تخدم الإنسان، وتزيد من رفاهه وأمنه وأمانه.

فالرادار والمطاط الاصطناعي كانا أهم منتجات حقبة الحروب العالمية، وقد أصبحا فيما بعد من أهم الركائز في الصناعات المختلفة.

واليوم الطائرات المسيرة بأنواعها تشهد توسعا وتنوعا كبيرين في إنتاجها، وهذا يضمن في المستقبل القريب استخدامات أكثر أمانا وفائدة لهذا النوع من الطائرات.

فمن يدري، قد تصبح هذه الطائرات فتحا بشريا قادما يخدم الإنسان، ويزيد من آفاق تطلعاته وتجلياته النافعة والرشيدة.

alaseery2@