مت صامتا

جر عربة الماضي المثقلة بالمواقف المؤلمة والانكسارات المتتالية والتجارب المحبطة، وتأمل الصور الشيطانية التي أحرقت النفس وأطفأت قناديل النور في دواخلنا مرات عديدة، والتعمد في قرع الأجراس المرتبطة بذكرى تكفين الصبر، ووأده تحت أنقاض الانفجار، كل ذلك لا يضيف إلى الحاضر إلا تجديد الألم، والعيش على لهيب الماضي التعيس، ولا نجني سوى حرمان لذة تأمل الحاضر، وفقد سجادة الخشوع في محراب السكينة.

على خط الزمن ترى أجسادا ذابلة وشفاها باهتة، وعيونا غائرة، وأذهانا سارحة، رمت نعيم اللحظة في ذكرى جحيم الأمس.

رهن مستقبل الأيام داخل محرقة زواج فاشل تساقطت أوراقه منذ زمن، وتكبيل البسمة بذكرى مزعجة لخسارة مالية قاسية قبل سن النضج، والغوص في مستنقع فقد الثقة من قريب للروح رأينا صدق وجمال العالم في ملامح وجهه وهمسات نبضه. تحليل المواقف والغوص في المشاعر المصاحبة، كل ذلك بوابة عبور نحو الهاوية وجواز سفر باتجاه الظلام.

حياتي وقراراتي وتجاربي هي مملكتي الخاصة، ليس لأحد الحق العبث بأرضها أو تلويث فضائها الرحب بساخافات التطفل، وحماقات النصح المغلفة بسوء النية.

بناء الحواجز الشائكة بهيبة الصمت ووضع الفلاتر الحافظة للخصوصية، والتعامل بحذر مع الدبابير المليئة بسم الأفاعي، تقيك بعد الله من الأسئلة المفخخة والحفر المسننة التي صنعت الأكفان من فلتات اللسان وغيبوبة الثقة المفرطة.

من المحزن أن ترى متلازمة مرض الأسلاك الشائكة وهي تنخر الأجساد بوابل الملل والارتباك، وتشويش الوعي وفقدان الذاكرة كل ذلك جراء مواقف ماضية، كتب الله لك أن تعيش تفاصيلها رغما عنك. ومن المؤسف أن ترى غريق الأحداث السابقة يعيش (هذاء الإرجاء) للعودة إلى الوراء ليتخذ موقفا مغايرا، إما بكلام صاغه على حساب صحة الحاضر، أو بحيلة ماكرة تدمر أريكة كانت بالأمس آمنة.

خيبات الأمل والفقد والخسارة والجروح الغائرة لا تزيد العاقل إلا قوة وثباتا، ورضا بأن هناك حكمة لا يعلمها إلا من يعلم السر وأخفى، فلا ترهق نفسك في محاولة إرجاع عجلة الزمن إلى الخلف فهذا محال.

يا من لامست الحروف المتناثرة جراحه، أفق من تشنجات جلد الذات، وانظر إلى نافذة الأمل التي تطل على جنان المستقبل، وحرر نفسك من قيود الهلاك، ولا تحرم نفسك نعيم اللحظة، وإن رضيت العيش في تابوت ماضيك، فمت صامتا غير مأسوف عليك.

الكلمات المفتاحية:

الماضي

المواقف المؤلمة

خيبات الأمل

التجارب الحياتية

المشاعر

الخصوصية