الإخوان يصنعون الموت في تونس
قصص مأساوية لنساء وأطفال من ضحايا الألغام في مرتفعات وجبال القصرين
قصص مأساوية لنساء وأطفال من ضحايا الألغام في مرتفعات وجبال القصرين
الأحد - 13 أغسطس 2023
Sun - 13 Aug 2023
عندما أفاق عدنان المعموري من غيبوبته على سريره بالمستشفى العسكري، كان أول هاجس يدور بخلده هو كيف سيعود إلى مقاعد الدراسة بيد مبتورة.
قبل أشهر كان هدف عدنان (17 عاما) هو تخطي مرحلة البكالوريا (الثانوية العامة) بتفوق، وبدأ خلال العطلة الصيفية بجمع أعشاب الإكليل في جبل سبيطلة المحاذي لقريته لبيعها وجمع تكاليف مستلزماته المدرسية، قبل أن يفجر لغم أرضي أحلامه، وتسبب اللغم في بتر اليد اليمنى لعدنان كما ألحق أضرارا في عينه اليمنى، ولن يكون بمقدوره مستقبلا الاعتماد عليها.
هذا أحدث انفجار للغم أرضي تقليدي الصنع بوجه المدنيين الرعاة، من بين أعداد غير محددة من الألغام التي زرعتها جماعات الإخوان المتشددة في الغابات وأراضي الرعي بمرتفعات وجبال القصرين غرب تونس، وتمتد سلسلة هذه الجبال على مناطق شاسعة بولاية القصرين، وإلى أطراف ولاية سيدي بوزيد المجاورة.
قصص دموية
ولطالما كانت هذه المناطق الجبلية الوعرة حصنا منيعا للجماعات المسلحة الموالية لتنظيم القاعدة في المغرب وتنظيم «داعش» المتطرف لاحقا، مع تصاعد أنشطتها بعد ثورة 2011 بتونس، ومن تلك المناطق كانوا يشنون هجمات خاطفة دامية ومباغتة ضد دوريات للجيش والحرس الوطني التونسي، كان أشهرها هجومي 2013 و2014 خلال شهر رمضان، اللذين أوقعا العشرات من القتلى من الجنود.
أول ضحية
يقطن عدنان مع عائلته في قرية «العيتة» التي تتبع إداريا ولاية سيدي بوزيد، وهو ليس أول ضحية للألغام في المنطقة إذ سبق أن بترت ساق امرأة من نفس القرية بعد أن لمست لغما مخفيا أثناء الرعي، وقال رياض الأخ الأكبر لعدنان «نحن نعيش مع الخطر كل يوم.. لقد اهتزت معنويات عدنان بشدة. لا يزال تحت تأثير الصدمة ولا يفكر في العودة إلى الدراسة، لم يتقبل بعد وضعه الجديد ويخشى ردة فعل أصدقائه».
وبحسب شهادات عائلة عدنان والمحيطين به، فهو يعد من بين الطلبة المتميزين، وكان قد ارتقى الأول عن الصف إلى الثانوية العامة.
ومع أنه حظي بتكريم رئاسي في المستشفى حيث يرقد، إلا أن الخوف من المستقبل يسيطر على تفكير عائلته، وقال أخوه رياض «إن ما يهمنا الآن هو الاهتمام بصحة عدنان، نحتاج إلى دعم من السلطة من أجل وضعيته».
وسيكون عدنان أمام تحد مضاعف لتحقيق حلمه بالنجاح في الدراسة بعد مسار علاجي طويل. وإلى حين تحقيق ذلك الهدف لن يكون بوسعه التفرغ مرة أخرى لجمع الإكليل في الجبال.
وتعد تونس من بين الدول التي استخدمت فيها الجماعات المسلحة على نطاق واسع ألغاما بدائية مضادة للأفراد وحتى المدرعات.
حفظ الكرامة
ويلفت التقرير الانتباه إلى أن النساء والفتيات المصابات يتأثرن بشكل خاص في وقت لاحق من الحياة، عندما يتعلق الأمر بالحصول على المساعدة للضحايا، وينسحب هذا الوضع على خديجة الرحيمي التي فقدت ساقها بفعل لغم تقليدي في جبل السلوم بضواحي القصرين عام 2018 أثناء جمعها للحطب.
ومن حسن الحظ أن ابنتها الصغرى التي كانت برفقتها لم تصب بأذى في التفجير لكن ابنة عمها أصيبت في الحادث بأضرار في عينها، وقبل هذا التفجير كانت ابنة خالة خديجة قد لقيت حتفها في تفجير لغم بنفس المنطقة.
وضعت لخديجة ساق اصطناعية بعد التفجير لكنها اليوم تحتاج إلى المال لاستبدالها بسبب التلف، وتقول في يأس «لم أتلق أي تعويض ولدي طفلان يتعين علي رعايتهما. أتلقى المساعدات من الجيران لكن هذا لن يحل المشكلة».
ويقول شقيقها سالم الرحيمي الذي يعمل باليومية عبر جمع نبتة الحلفاء في الجبل أو فرز القمامة في قرية «المثنانية» الفقيرة «نعيش كل يوم بيومه... نحن لا نطلب شيئا، مجرد مورد رزق يحفظ كرامتنا لا أكثر».
مصيدة المدنيين
مثل عائلة الرحيمي، اضطر السكان العزل في القرى المتاخمة للجبال، إلى التعايش على مدى سنوات مع خطر المسلحين المتربصين بهم في المرتفعات والتي تحولت إلى مصيدة قاتلة للمدنيين الرعاة أو الجنود.
وكانت أكثر الاعتداءات دموية ما تعرض له الأخوان مبروك (16 عاما) وخليفة السلطاني (21 عاما) عندما ذّبِح الاثنان وقطع رأسيهما في نفس المنطقة بجبل المغيلة بين ولايتي القصرين وسيدي بوزيد، في حادثين منفصلين عامي 2015 و2017 على التوالي.
وعلى الرغم من تصفية أغلب المسلحين في تلك المناطق وانحسار أنشطتهم وهجماتهم، فإنه لا يعرف أعداد الألغام التي تركوها من خلفهم لتعطيل عمليات تعقبهم، وهذه الألغام قادرة على أن تهز مدرعة كاملة.
وتعتبر العائلات القاطنة بمحاذاة هذه المناطق أنها دفعت ثمنا باهظا في مكافحة الإرهاب، بسبب انقطاع أنشطتها الاقتصادية جراء الألغام وخسارتها للأرواح، والعاهات الجسدية الدائمة التي لحقت بالمتضررين.
ضحايا الألغام في تونس:
قبل أشهر كان هدف عدنان (17 عاما) هو تخطي مرحلة البكالوريا (الثانوية العامة) بتفوق، وبدأ خلال العطلة الصيفية بجمع أعشاب الإكليل في جبل سبيطلة المحاذي لقريته لبيعها وجمع تكاليف مستلزماته المدرسية، قبل أن يفجر لغم أرضي أحلامه، وتسبب اللغم في بتر اليد اليمنى لعدنان كما ألحق أضرارا في عينه اليمنى، ولن يكون بمقدوره مستقبلا الاعتماد عليها.
هذا أحدث انفجار للغم أرضي تقليدي الصنع بوجه المدنيين الرعاة، من بين أعداد غير محددة من الألغام التي زرعتها جماعات الإخوان المتشددة في الغابات وأراضي الرعي بمرتفعات وجبال القصرين غرب تونس، وتمتد سلسلة هذه الجبال على مناطق شاسعة بولاية القصرين، وإلى أطراف ولاية سيدي بوزيد المجاورة.
قصص دموية
ولطالما كانت هذه المناطق الجبلية الوعرة حصنا منيعا للجماعات المسلحة الموالية لتنظيم القاعدة في المغرب وتنظيم «داعش» المتطرف لاحقا، مع تصاعد أنشطتها بعد ثورة 2011 بتونس، ومن تلك المناطق كانوا يشنون هجمات خاطفة دامية ومباغتة ضد دوريات للجيش والحرس الوطني التونسي، كان أشهرها هجومي 2013 و2014 خلال شهر رمضان، اللذين أوقعا العشرات من القتلى من الجنود.
أول ضحية
يقطن عدنان مع عائلته في قرية «العيتة» التي تتبع إداريا ولاية سيدي بوزيد، وهو ليس أول ضحية للألغام في المنطقة إذ سبق أن بترت ساق امرأة من نفس القرية بعد أن لمست لغما مخفيا أثناء الرعي، وقال رياض الأخ الأكبر لعدنان «نحن نعيش مع الخطر كل يوم.. لقد اهتزت معنويات عدنان بشدة. لا يزال تحت تأثير الصدمة ولا يفكر في العودة إلى الدراسة، لم يتقبل بعد وضعه الجديد ويخشى ردة فعل أصدقائه».
وبحسب شهادات عائلة عدنان والمحيطين به، فهو يعد من بين الطلبة المتميزين، وكان قد ارتقى الأول عن الصف إلى الثانوية العامة.
ومع أنه حظي بتكريم رئاسي في المستشفى حيث يرقد، إلا أن الخوف من المستقبل يسيطر على تفكير عائلته، وقال أخوه رياض «إن ما يهمنا الآن هو الاهتمام بصحة عدنان، نحتاج إلى دعم من السلطة من أجل وضعيته».
وسيكون عدنان أمام تحد مضاعف لتحقيق حلمه بالنجاح في الدراسة بعد مسار علاجي طويل. وإلى حين تحقيق ذلك الهدف لن يكون بوسعه التفرغ مرة أخرى لجمع الإكليل في الجبال.
وتعد تونس من بين الدول التي استخدمت فيها الجماعات المسلحة على نطاق واسع ألغاما بدائية مضادة للأفراد وحتى المدرعات.
حفظ الكرامة
ويلفت التقرير الانتباه إلى أن النساء والفتيات المصابات يتأثرن بشكل خاص في وقت لاحق من الحياة، عندما يتعلق الأمر بالحصول على المساعدة للضحايا، وينسحب هذا الوضع على خديجة الرحيمي التي فقدت ساقها بفعل لغم تقليدي في جبل السلوم بضواحي القصرين عام 2018 أثناء جمعها للحطب.
ومن حسن الحظ أن ابنتها الصغرى التي كانت برفقتها لم تصب بأذى في التفجير لكن ابنة عمها أصيبت في الحادث بأضرار في عينها، وقبل هذا التفجير كانت ابنة خالة خديجة قد لقيت حتفها في تفجير لغم بنفس المنطقة.
وضعت لخديجة ساق اصطناعية بعد التفجير لكنها اليوم تحتاج إلى المال لاستبدالها بسبب التلف، وتقول في يأس «لم أتلق أي تعويض ولدي طفلان يتعين علي رعايتهما. أتلقى المساعدات من الجيران لكن هذا لن يحل المشكلة».
ويقول شقيقها سالم الرحيمي الذي يعمل باليومية عبر جمع نبتة الحلفاء في الجبل أو فرز القمامة في قرية «المثنانية» الفقيرة «نعيش كل يوم بيومه... نحن لا نطلب شيئا، مجرد مورد رزق يحفظ كرامتنا لا أكثر».
مصيدة المدنيين
مثل عائلة الرحيمي، اضطر السكان العزل في القرى المتاخمة للجبال، إلى التعايش على مدى سنوات مع خطر المسلحين المتربصين بهم في المرتفعات والتي تحولت إلى مصيدة قاتلة للمدنيين الرعاة أو الجنود.
وكانت أكثر الاعتداءات دموية ما تعرض له الأخوان مبروك (16 عاما) وخليفة السلطاني (21 عاما) عندما ذّبِح الاثنان وقطع رأسيهما في نفس المنطقة بجبل المغيلة بين ولايتي القصرين وسيدي بوزيد، في حادثين منفصلين عامي 2015 و2017 على التوالي.
وعلى الرغم من تصفية أغلب المسلحين في تلك المناطق وانحسار أنشطتهم وهجماتهم، فإنه لا يعرف أعداد الألغام التي تركوها من خلفهم لتعطيل عمليات تعقبهم، وهذه الألغام قادرة على أن تهز مدرعة كاملة.
وتعتبر العائلات القاطنة بمحاذاة هذه المناطق أنها دفعت ثمنا باهظا في مكافحة الإرهاب، بسبب انقطاع أنشطتها الاقتصادية جراء الألغام وخسارتها للأرواح، والعاهات الجسدية الدائمة التي لحقت بالمتضررين.
ضحايا الألغام في تونس:
- 8 من كل 10 من المدنيين
- 50% من القتلى أطفال
- 35% من القتلى رجال
- 15% من القتلى نساء