روسيا تكسر محاولات عزلها دوليا
الأربعاء - 02 أغسطس 2023
Wed - 02 Aug 2023
لفتت القمة الروسية - الأفريقية التي عقدت مؤخرا بمدينة سان بطرسبرغ الأنظار، حيث شارك فيها ممثلو 49 دولة أفريقية من أصل 54، وشارك أكثر من نصف هذه الدول بممثلين على مستوى الشخص الأول أو الثاني في البلاد، حيث حضر القمة 17 رئيس دولة، وخمسة نواب للرئيس وأربعة رؤساء حكومات ورئيس واحدا للبرلمان و17 دولة أخرى يمثلها نواب رئيس الوزراء والوزراء، معظمهم من وزراء الخارجية، فيما تمثلت خمس دول على مستوى السفارات.
لا شك أن انعقاد القمة في دورتها الثانية بهذه المشاركة الأفريقية الواسعة، وبالرغم من الضغوط القوية التي مارستها الدول الغربية، ينطوي على دلالات عديدة أهمها انحسار النفوذ الأوروبي والأمريكي في القارة الأفريقية، لمصلحة النفوذ الروسي والصيني، وأن الدول الأفريقية تريد الابتعاد عن الغرب وتسعى لبناء تحالفات مغايرة مع روسيا والصين، الخصمين الاستراتيجيين اللدودين للغرب، ولاسيما أن هذه الدورة من القمة الروسية - الأفريقية تعكس محدودية تأثير الضغوط الغربية التي سعت بكل الطريق لإفشال هذه القمة.
نجح الكرملين من خلال ثاني قمة روسية - أفريقية، بعد قمة سوتشي التي عقدت في عام 2019، في كسر محاولات عزل روسيا دوليا، حيث سعى الرئيس بوتين خلال القمة إلى كسب ود الدول الأفريقية وتعزيز العلاقات معها بكل الطرق، حيث أكد الرئيس بوتين أن بلاده مستعدة لأن تحل صادراتها من الحبوب محل الصادرات الأوكرانية إلى أفريقيا، وقال «سنكون مستعدين لتزويد بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا بما يتراوح بين 25 و50 ألف طن من الحبوب المجانية لكل دولة في الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة»، كما عرض الرئيس بوتين إسقاط مليارات الدولارات من الديون المستحقة لبلاده على بعض الدول الأفريقية، كما عرض تقديم التكنولوجيا المتقدمة للدول الأفريقية لمساعدتها في ضمان الأمن الغذائي، وهو ما يعكس توجها روسيا استراتيجيا غير مسبوق لترسيخ الشراكة مع دول القارة الأفريقية.
بلا شك أن أحد ساحات الصراع الروسي - الغربي، تدور بشكل غير مباشر على صعيد الهيمنة والنفوذ عالميا، وهنا يمكن النظر إلى المنتديات والقمم التي تستضيفها روسيا خلال الآونة الأخيرة، باعتبارها تأكيدا على فشل سياسات عزل روسيا دوليا، وإظهار تأثير روسيا ومكانتها، وإظهار حدود قدرتها على التحرك وحشد الدول في الدوائر التي يعتقد الغرب أن له سيطرة كبيرة عليها.
ثمة جانب آخر يتعلق بتراجع النفوذ والتأثير الغربي حتى في دوائر النفوذ التقليدية الغربية، حيث كانت مناطق ودوائر استراتيجية أفريقية واسعة محسوبة تقليديا على الغرب، بحكم العلاقات التاريخية التي كانت تحكم هذه الدول والمناطق مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ولكن الحاصل أن السنوات الأخيرة قد شهدت تحولات كبرى في تحالفات وروابط الكثير من العواصم الأفريقية مع القوى الدولية الكبرى، وبات النفوذ الروسي حاضرا بقوة أفريقيا، إلى جانب النفوذ الصيني.
ورغم كل شئ، فإن المشاركة الأفريقية الواسعة في قمة سان بطرسبرغ، تثير غضبا غربيا عميقا، وتضع الغرب في موقف حرج بسبب تمدد النفوذ الروسي في أثناء ذروة المحاولات الغربية لعزل موسكو، وإيقاعها تحت طائلة العقوبات الغربية التي لم تتماس - حتى الآن - مع الأهداف التي وضعت من أجلها.
في مقابل ما سبق، هناك رؤية تقول إن قمة سان بطرسبرغ حضرها 17 زعيما أفريقيا فقط، مقابل 43 زعيما شاركوا في القمة الأولى التي عقدت في عام 2019، ولكن هذه الرؤية مردود عليها بأن القمة الأولى عقدت قبل اندلاع حرب أوكرانيا، وشاركت فيها معظم الدول الأفريقية بالفعل، ولكن تطور الأحداث بالصورة التي يعرفها الجميع يجعل من مشاركة نفس الدول تقريبا بممثلين على مستويات بروتوكولية مختلفة إشارة جيدة بالنسبة لموسكو، التي تفادت فخ المقاطعة والعزلة التي أرادها لها الغرب، بل وضمنت حضور 17 رئيس دولة أفريقية وممثلين رفيعي المستوى من المستوى الثاني والثالث لبقية الدول المشاركة، بينما أرادت الدول الأفريقية المشاركة تفادي إغضاب الغرب وإرسال إشارة إيجابية لروسيا في الوقت ذاته، وهو ما يعبر عن انقسام واضح واستقطاب حاد في المواقف الأفريقية والدولية حيال الصراع الروسي-الغربي.
لا تريد أفريقيا بالتأكيد أن تكون أداة للصراع على النفوذ العالمي، وتدرك دول القارة أنها باتت محط أنظار القوى الدولية جميعها، وبالتالي فهي لا تريد أن تبعث برسالة سلبية لأحد وتسعى إلى ترسيخ حيادها في الأزمات، وتركيزها على مصالحها الاستراتيجية، ومن ثم تحقيق الاستفادة الأكبر من الاهتمام الدولي المتزايد بالقارة.
drsalemalketbi@
لا شك أن انعقاد القمة في دورتها الثانية بهذه المشاركة الأفريقية الواسعة، وبالرغم من الضغوط القوية التي مارستها الدول الغربية، ينطوي على دلالات عديدة أهمها انحسار النفوذ الأوروبي والأمريكي في القارة الأفريقية، لمصلحة النفوذ الروسي والصيني، وأن الدول الأفريقية تريد الابتعاد عن الغرب وتسعى لبناء تحالفات مغايرة مع روسيا والصين، الخصمين الاستراتيجيين اللدودين للغرب، ولاسيما أن هذه الدورة من القمة الروسية - الأفريقية تعكس محدودية تأثير الضغوط الغربية التي سعت بكل الطريق لإفشال هذه القمة.
نجح الكرملين من خلال ثاني قمة روسية - أفريقية، بعد قمة سوتشي التي عقدت في عام 2019، في كسر محاولات عزل روسيا دوليا، حيث سعى الرئيس بوتين خلال القمة إلى كسب ود الدول الأفريقية وتعزيز العلاقات معها بكل الطرق، حيث أكد الرئيس بوتين أن بلاده مستعدة لأن تحل صادراتها من الحبوب محل الصادرات الأوكرانية إلى أفريقيا، وقال «سنكون مستعدين لتزويد بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا بما يتراوح بين 25 و50 ألف طن من الحبوب المجانية لكل دولة في الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة»، كما عرض الرئيس بوتين إسقاط مليارات الدولارات من الديون المستحقة لبلاده على بعض الدول الأفريقية، كما عرض تقديم التكنولوجيا المتقدمة للدول الأفريقية لمساعدتها في ضمان الأمن الغذائي، وهو ما يعكس توجها روسيا استراتيجيا غير مسبوق لترسيخ الشراكة مع دول القارة الأفريقية.
بلا شك أن أحد ساحات الصراع الروسي - الغربي، تدور بشكل غير مباشر على صعيد الهيمنة والنفوذ عالميا، وهنا يمكن النظر إلى المنتديات والقمم التي تستضيفها روسيا خلال الآونة الأخيرة، باعتبارها تأكيدا على فشل سياسات عزل روسيا دوليا، وإظهار تأثير روسيا ومكانتها، وإظهار حدود قدرتها على التحرك وحشد الدول في الدوائر التي يعتقد الغرب أن له سيطرة كبيرة عليها.
ثمة جانب آخر يتعلق بتراجع النفوذ والتأثير الغربي حتى في دوائر النفوذ التقليدية الغربية، حيث كانت مناطق ودوائر استراتيجية أفريقية واسعة محسوبة تقليديا على الغرب، بحكم العلاقات التاريخية التي كانت تحكم هذه الدول والمناطق مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ولكن الحاصل أن السنوات الأخيرة قد شهدت تحولات كبرى في تحالفات وروابط الكثير من العواصم الأفريقية مع القوى الدولية الكبرى، وبات النفوذ الروسي حاضرا بقوة أفريقيا، إلى جانب النفوذ الصيني.
ورغم كل شئ، فإن المشاركة الأفريقية الواسعة في قمة سان بطرسبرغ، تثير غضبا غربيا عميقا، وتضع الغرب في موقف حرج بسبب تمدد النفوذ الروسي في أثناء ذروة المحاولات الغربية لعزل موسكو، وإيقاعها تحت طائلة العقوبات الغربية التي لم تتماس - حتى الآن - مع الأهداف التي وضعت من أجلها.
في مقابل ما سبق، هناك رؤية تقول إن قمة سان بطرسبرغ حضرها 17 زعيما أفريقيا فقط، مقابل 43 زعيما شاركوا في القمة الأولى التي عقدت في عام 2019، ولكن هذه الرؤية مردود عليها بأن القمة الأولى عقدت قبل اندلاع حرب أوكرانيا، وشاركت فيها معظم الدول الأفريقية بالفعل، ولكن تطور الأحداث بالصورة التي يعرفها الجميع يجعل من مشاركة نفس الدول تقريبا بممثلين على مستويات بروتوكولية مختلفة إشارة جيدة بالنسبة لموسكو، التي تفادت فخ المقاطعة والعزلة التي أرادها لها الغرب، بل وضمنت حضور 17 رئيس دولة أفريقية وممثلين رفيعي المستوى من المستوى الثاني والثالث لبقية الدول المشاركة، بينما أرادت الدول الأفريقية المشاركة تفادي إغضاب الغرب وإرسال إشارة إيجابية لروسيا في الوقت ذاته، وهو ما يعبر عن انقسام واضح واستقطاب حاد في المواقف الأفريقية والدولية حيال الصراع الروسي-الغربي.
لا تريد أفريقيا بالتأكيد أن تكون أداة للصراع على النفوذ العالمي، وتدرك دول القارة أنها باتت محط أنظار القوى الدولية جميعها، وبالتالي فهي لا تريد أن تبعث برسالة سلبية لأحد وتسعى إلى ترسيخ حيادها في الأزمات، وتركيزها على مصالحها الاستراتيجية، ومن ثم تحقيق الاستفادة الأكبر من الاهتمام الدولي المتزايد بالقارة.
drsalemalketbi@