شابان يتحديان المعارك ويبهران العالم

نيويورك تايمز: حسن وسامي أنقذا 60 شخصا وأكثر من الموظفين الأمميين بالسودان
نيويورك تايمز: حسن وسامي أنقذا 60 شخصا وأكثر من الموظفين الأمميين بالسودان

الأحد - 07 مايو 2023

Sun - 07 May 2023

بينما انشغل الجنرالات في السودان بتدمير بعضهم بعضا، والحديث عن الخيانة والعمالة والانقلاب، غير عابئين بحياة المواطنين الآمنين في 18 ولاية، انطلق الشابان العشرينيان في كل الاتجاهات من أجل إنقاذ الضحايا وتضميد الجراح، في قصة رصدتها الصحافة الأمريكية.

كشف تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، الضوء عن الطالبين الجامعيين حسن تيبوا (25 عاما) وسامي الجادة (23 عاما)، ووصفهما بالبطلين، لإنقاذهما ما لا يقل عن 60 شخصا عند بداية الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ونقلت الصحيفة الأمريكية الشهيرة قصة بطولة نادرة من تحت ركام الدمار والقتال، وبين عشرات القصص للمدنيين الذين يعانون الأمرين بسبب الاشتباكات والمعارك التي فجرها باحثون عن السلطة والمجد الشخصي.

وضع يائس

تروي «نيويورك تايمز» القصة من البداية، فتقول «خلال الأيام الأولى للأحداث الدامية التي عرفتها الخرطوم منذ منتصف أبريل الماضي، شعر الطالبان الجامعيان بالخوف من الوقوع ضحية بين الفريقين المتناحرين؛ لذلك حبسا نفسيهما في غرفة وعكفا على متابعة تطورات الأحداث من خلال تصفح الإنترنت».

وفي اليوم الخامس، من بداية النزاع، أي في 19 أبريل، رن جرس الهاتف، وتبين لهما أن شخصا ما بحاجة إلى سيارة أجرة، أوضح المتصل أن مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة، وهي امرأة في الأربعينات من عمرها، حوصرت داخل منزلها في حي راق، بينما كانت المعارك قرب بيتها طاحنة، كان وضع السيدة يائسا، بينما قاربت بطارية هاتفها على النفاد، إذ انخفضت إلى ما دون الـ5 %، عندها، تساءل الطالبان.. هل يمكننا المساعدة؟

صرخات استغاثة

كان حسن تيبوا وسامي الجادة، اللذان يدرسان في سنتهما الأخيرة من الهندسة الميكانيكية، يعملان أيضا كسائقي أجرة.

اتصل حسن هاتفيا بالمرأة، وقال في حديثه للصحيفة الأمريكية إنه يتذكر أنها كانت تصرخ وقال «لم يكن لدينا سوى بضع دقائق قبل أن ينطفئ هاتفها، وكانت بمفردها».

قفزا إلى سيارتهما، وانطلقا إلى المدينة التي تحولت إلى ساحة معارك وتناثرت السيارات المتفحمة في الشوارع، بينما كان المقاتلون في كل مكان وفق وصف نيويورك تايمز.

سارع الثنائي عبر طرق ملتوية وكان عليهما التوقف مرارا عند نقاط التفتيش التي يديرها مقاتلون تابعون لقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

قالا «لقد اطلع المقاتلون على هواتفنا وأمطرونا بالأسئلة» وقال أحدهما «استغرق السفر لأربعة أميال فقط، ساعة كاملة» بينما وصف الآخر الوضع بالقول «لقد مررنا بالجحيم».

في النهاية، وجدا مسؤولة الأمم المتحدة، واسمها بيشنس، وحدها في شقتها في مبنى مهجور على ما يبدو.

تهديد بالتجسس

قالت السيدة متحدثة للشابين إنها كانت مختبئة في حمامها لعدة أيام، واستنزفت بطاريات ثلاثة هواتف محمولة، وأظهرت لهما مجموعة من ثقوب الرصاص في جدار غرفة المعيشة.

وبعد 45 دقيقة و10 نقاط تفتيش، توقفت سيارتهما خارج، أحد أغلى فنادق الخرطوم، والذي تحول لما سمته الصحيفة «مخيم لاجئين من خمس نجوم»، وبعد أن استجمعت السيدة أنفاسها وسجلت دخولها للفندق استدارت وهي تسأل «هل بإمكانكما العودة لإنقاذ آخرين؟».

على مدار الأسبوع التالي، أنقذ حسن وسامي العشرات من الأشخاص من أعنف مناطق القتال في الخرطوم، وفقا لمقابلات مع الطلاب، أجرتها الصحيفة الأمريكية.

كان البطلان يتعرضان على طول الطريق إلى مختلف أشكال التهديد، واتهمهما المقاتلون بأنهما جواسيس، بينما كانا يتلقيان رسائل من دبلوماسيين آخرين يناشدونهما فيها مساعدتهم لاستعادة جوازات سفرهم من منازلهم المحاصرة وحيواناتهم الأليفة التي تركوها هناك.

مغامرة الأبطال

خلال تلك المغامرات كانت نيران القذائف والرصاص الطائش تسقط حول وفوق سيارتهما، قال أحد مسؤولي الأمم المتحدة بخصوص حسن وسامي «الكلمة الوحيدة التي تصفهما هي: أبطال».

ومثل معظم موظفي الأمم المتحدة الذين تمت مقابلتهم، تحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته لتجنب الانتقاد العلني لمنظمة فشلت، حسب العديد من الروايات، في إنقاذ موظفيها، حتى أولئك الذين يواجهون خطرا مباشرا، وفق تعبير نيويورك تايمز.

قال الرجل «رغم كل الفوضى، الخوف، القصف، سامي وحسن هما اللذان كانا معنا فقط».

يذكر أن حسن تيبوا الذي كان ينقذ الناس في هذه الأجواء الخطرة، لم يكن أهله على علم بأنه في السودان.

تاريخ الاضطرابات

وصل حسن إلى السودان في عام 2017 قادما من تنزانيا، حيث تدير عائلته متجرا متواضعا للأجهزة في بلدة صغيرة على بحيرة فيكتوريا، دخل هذا الشاب السودان بعد أن تحصل من جمعية خيرية إسلامية على منحة لدراسة الهندسة بجامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم، لكنه أخبر والديه أنه ذاهب للدراسة في الجزائر، مراعاة لمخاوفهم بشأن تاريخ السودان الحافل بالاضطرابات العنيفة، وهي كذبة احتفظ بها لمدة ست سنوات؛ لأنه لم يكن لديه ما يكفي من المال للعودة إلى الوطن.

صديق حسن، سامي، سوداني الجنسية، إلا أنه نشأ في بلدة هادئة في شمال شرق السعودية، حيث كان والده ميكانيكي سيارات، وعند لقائهما في الجامعة، أصبح الشابان صديقين، واشتغلا سويا في عدة أعمال لتأمين إيجار شقتهما.

كان تيبوا يقود سيارة أجرة ويقدم خدمات النقل في الغالب لمسؤولي الأمم المتحدة الأفارقة، وهو سر تواصل الدبلوماسية به.

محاصرة النيران

وعند بداية الحراك الشعبي السوداني في 2019، والذي أسقط الرئيس عمر البشير، وتوالي الأحداث المتسارعة، ثم الانقلاب العسكري على إرادة الشعب بقيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، تعطلت الدراسة ووجد الشابان نفسيهما مجبران على العمل فقط.

وفي إبريل الماضي، انزلقت الأوضاع أكثر، بعدما بدأ الاقتتال المسلح بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بينما حاصرت النيران المدنيين والدبلوماسيين، رغم جهود الإجلاء التي قادتها على وجه الخصوص الولايات المتحدة والمملكة العربيةالسعودية، إلى جانب البلدان الأخرى.

لجان مقاومة

وبعد احتدام المعارك، أمرت الأمم المتحدة، مثل معظم المنظمات، موظفيها الذين يبلغ عددهم 800 «بالاحتماء في منازلهم» إلى حين وصول الإنقاذ، لكنها لم تستطع إجلاء إلا القليل من الأشخاص في الأيام الأولى من القتال، قبل أن تتوقف عملياتها.

وفي تفاصيل عمليات الإنقاذ التي كان يقودها الشابان، قالت الصحيفة «إنهما تلقيا اتصالا ذات مرة وأنقذا نحو 15 شخصا كانوا مختبئين في إحدى الشقق.

ولم يكن حسن وسامي المنقذين الوحيدين في الخرطوم، حيث هبت لجان المقاومة المحلية، التي تم تشكيلها قبل سنوات لدفع السودان نحو الديمقراطية، لمساعدة السودانيين والأجانب على الفرار، لكن بالنسبة لبعض المحاصرين الذين تحدثت إليهم الصحيفة «كان الطالبان الخيار الوحيد».

أرقام في الأزمة:

  • 190 طفلا قتيلا في أول 11 يوما

  • 7 أطفال يقتلون كل ساعة

  • 1700 طفل مصاب في 11 يوما

  • 860 ألفا يتوقع فرارهم من السودان

  • 113 ألفا فروا بالفعل للدول المجاورة