متى تستقيل؟

يحتل العمل مكانة تبلغ حدا يثير الاهتمام في حياة الإنسان؛ فهو ميدان أساسي تبرز فيه قدرات الإنسان بشكل منظور وتبدو فيه كفاءاته بوضوح وتظهر فيه مهاراته بجلاء، كما أنه مصدر رئيس يحصل بواسطته على الموارد اللازمة له من أجل معاشه، ويمر كل فرد في حياته الوظيفية بمراحل قد تكون في بعض الأحيان متعبة وفي بعض الأوقات صعبة وأحيانا شاقة ولا تثير شعورا بالسعادة والرضا والابتهاج؛ فتتسبب في صراعات في داخل نفسه، هل يستمر في وظيفته ويبقى فيها ويثبت بها أم يستقيل منها ويغادرها ويبتعد عنها ثم يبذل الجهد ويقوم بالبحث عن وظيفة أخرى في مكان آخر مع استقصاء تفاصيل الموضوع وبحثه جملة وتفصيلا؟

لا شك أن نمط العمل والنشاطات المرتبطة به تتطور طوال فترة حياة الإنسان؛ فهناك العديد من أنواع المسارات المهنية تتضمن مفترقات طرق لها نتائج لا يمكن تجاهلها أو عدم الانتباه لها ولا يمكن إغفال تأثيراتها المختلفة أو عدم الاعتناء بها؛ فقد تكون سببا في دفع الإنسان إلى إتقان وتفوق وتمكن إضافي أو إلى قرار غير صحيح ويكون لها تأثيرات على المسارات المهنية وحياته بشكل عام؛ فإن لم يكن تعامله مع محطات التوقف بشكل متعقل ومع مفترقات الطرق بطريقة حقيقية وغير هزلية؛ فقد يكون لها نتائج سلبية ومن تلك المفترقات هو قرار الاستقالة والذي قد يلجأ إليه الإنسان لأعذار عديدة وقد يضطر إليه لمبررات كثيرة وقد يحتاج إليه لأسباب متنوعة.

في الحقيقة إنه عندما يتحول طريق العمل إلى طريق عمل مرهق وثقيل ويصعب تحمله ويشكل عبئا على النفس وتصبح حتى المدد القصيرة من دقائق معدودة وثواني محسوبة تمر بتثاقل كبير وتذهب ببطء شديد ويكون زملاء العمل مجرد صور متكررة ومشاهد يومية روتينية رتيبة ثابتة على نسق ووتيرة واحدة لا تتغير، هنا يجب على الإنسان أن يستيقظ ويخرج من رقاده ويستعيد نشاطه ويدرك وينتبه أن هذه الأحاسيس قد لا تكون عرضية حدثت فجأة وصارت بدون توقع أو انتظار أو أنها سوف تزول بعد تغيب عن جو العمل في إجازة لمدة من الزمن أو عطلة لفترة من الوقت يتم فيها التوقف عن العمل واستعادة النشاط مجددا بل إن تلك الأحاسيس قد تكون إشعارا عاجلا وإخطارا سريعا وإشارة مبكرة بوجود خطر قريب وتنبيها لاتخاذ الاحتياطات الوقائية وأن الاستقالة قد حان وقتها وقرب موعدها ودنا زمنها.

وعندما يدرك الإنسان ويتوصل إلى قناعة تامة بعد الاستخارة أولا ثم الاستشارة بأن عليه الاستقالة؛ فعليه أن يفعل ذلك بلا حيرة أو تردد؛ لكي لا يواصل السير في طريق الإنهاك الوظيفي وحتى لا يستمر في هدر مواهبه وتبديد قدراته وإضاعة خبراته سدى؛ فالوظائف -كما هو معلوم- سلم يصعد به على طريق التطور المهني بشكل متقن ومنظم لتنمية المهارات وتطوير القدرات من أجل تحقيق الأهداف وتنفيذ الطموحات المهنية وتنمية المواهب للوصول إلى مستوى مهني مرموق بشرط أن يلتزم الإنسان بتنمية مهاراته وتطوير قدراته وتعديل إمكانياته وزيادة مؤهلاته وصقل مواهبه ومعرفة مجالاتها وطرق توجيهها وتعهدها بالتمرين والتنشيط والرعاية واستشارة أهل الخبرة والدراية لتقييم التجربة وتجويد الموهبة.