باخموت وما بعدها

يتساءل الكثير عن أهمية باخموت الاستراتيجية والعسكرية ومدى تأثير السيطرة عليها.. حقيقة الأمر أنه لا يوجد لها أي تأثير كبير أو أهمية في الصراع بشكل عام، ولن تغير من بوصلة الحرب كثيرا، على الرغم من الحرب الضروس والدفع بأفضل معدات وعتاد وقوات أوكرانيا إليها والاستماتة في حمايتها، وفي الجهة المقابلة إصرار الروس ووحدات فاجنر على السيطرة عليها على أي حالة من الأحوال.

يبدو أن أهميتها لا تكمن في موقعها الجغرافي أو حجمها كمدينة بل أصبح الأمر يمثل أهمية نفسية ومعنوية بشكل كبير لدرجة أن الأطراف الروسية والأوكرانية بدأت في سحب قواتها من مختلف الجبهات والزج بها في معركة باخموت وكأن من سيسيطر عليها سيكسب المعركة خلاف الواقع والمتوقع، لن تكون مفصلية ولن تكون النهاية ولا حتى البداية في تحول محوري في النزاع.

وبالعودة إلى التساؤل عن أهميتها أو بالأحرى «لماذا باخموت؟» يمكن أن نفصل ذلك لعدة أسباب وهي: أن وحدات فاجنر قبل الوصول إلى أطراف باخموت كانت تتقدم بشكل كبير ومنظم حتى أنها سيطرت على سوليدار، الأمر الذي رفع من معنويات مقاتلي فاجنر ورفع من حجم طموحاتهم وآمالهم، بالإضافة إلى أن مقاتلي شركة فاجنر هم من المساجين المسحوقة حياتهم أي أنهم من المساجين المحكومين بالإعدام والمؤبد والسنوات الطويلة، أي أنه لا يوجد لدى مقاتليها ما يخسرونه في حياتهم، وقد نجحت الشركة الأمنية في هذا الأمر ومنحتهم بريق الأمل والضوء في آخر النفق وحافزا للعودة لحياة الحرية عن طريق قتالها في أوكرانيا لمدة ستة أشهر مقابل أن يمنحوا الحرية بل وسيحصلون على أنواط الشجاعة والتكريم، هذا ما جعل مقاتلي وحدات فاجنر أشبه بالوحوش غير مبالين بالأرواح.

وعلى الجانب الآخر فإن الأوكرانيين يرون في باخموت رمزا للصمود الأوكراني في المعركة، كل تلك المسببات جعلت من معركة باخموت أشبه بالمذبحة، البعض لا يدرك حجم الخسائر، فهي تقدر بالمئات يوميا والآلاف أسبوعيا في معركة واحدة داخل حرب لم تغير شيئا، خلال عام قتل خلالها مئات الآلاف من الطرفين، وبطبيعة الأمر أدى ذلك النزاع الدموي على الأراضي الأوكرانية إلى معاناة الشعب الأوكراني من المدنيين العزل بشكل فظيع وموحش، وما كان لمملكة الإنسانية إلا أن تتدخل بشكل مباشر وتقدم الدعم السخي للشعب الأوكراني بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية أو انحياز لطرف على الآخر.

@m_a_algarni509