محمد علي الحسيني

فقه الرأي والرأي الآخر

الاثنين - 27 فبراير 2023

Mon - 27 Feb 2023

ليس هناك من دين أو نهج فكري أو فلسفي سائد في العالم يمكن أن يضاهي الإسلام في تأكيد‌ه على التدبر والتفكر قبل اتخاذ أي قرار، بمعنى أن الإسلام قد شدد في دعوته على التمعن والتأمل قبل اتخاذ أي موقف، فهو لا يريد نهج «إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون» كما قال أصدق القائلين، وهو يرفض أولئك الذين يصنفون ضمن «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها»، بل إن الإسلام يريد بإصرار أناسا يصنفون ضمن ما قاله أمير المؤمنين علي عليه السلام «النوم على يقين خير من صلاة في شك»، فكل إنسان له الحق في التعبير وإبداء الرأي وهذا لا شك يعني أننا سنكون أمام آراء مختلفة ومتنوعة، وهو أمر مهم للغاية؛ لأن التعدد يخلق حالة من النضوج ويفتح المجال أمام فهم أعمق للوصول إلى الحقيقة.

التوازن والاعتدال في الرأي لغة الإسلام

إن عناصر الاختيار التي خلقها الله في تكوين الإنسان متوازنة ومتعادلة، ومثلما له عوامل عضوية «طعام، مشرب، منام» وغريزية «حب الذات والغرور وما إليها» المدافة في الجانب النفسي، فإن قوة التحاجج والنقاش مداف أيضا في الجانب العقلي له، وإن الخيار والقرار النهائي هو لكيفية ترتيب واصطفاف جانبي المعادلة، فكلما مال الإنسان للجانب العقلي فإن قراره وموقفه يكون الأصوب، وكلما مال للجانب النفسي فإن قراره وموقفه سيكون في غير محله، وبالتالي فإن موقفه لن يكون صائبا، فلذلك لابد ألا يكون الرأي ميالا للهوى كما قال تعالى: «ولو اتبع الْحق أهواءهم لفسدت السماوات والْأرض ومن فيهن»، وإننا نعتقد بأن الجماعات والأحزاب المتطرفة تميل إلى غلبة الجانب النفسي على العقلي، ولذلك فإنها تظهر الإسلام بمظهر العاجز أو المفتقر لقوة المنطق والحجة، وفي هذا ظلم وتجن فاحش على الإسلام وعمقه الفكري التحرري.

بالدليل والبرهان..

الإسلام يعترف بالاختلاف ويدعو إلى احترامه

استحضار نماذج تاريخية ولاسيما من العهد المبارك للرسول الأكرم «صلى الله علیه وآله وصحبه وسلم»، فإنها يجب أن تكون كمنهاج ونمط عمل وتعامل لنا مع الآخرين الذين يخالفوننا، ذلك أن النبي الأكرم «صلى الله علیه وآله وصحبه وسلم» بعد أن استقر في يثرب «المدينة المنورة»، صار يمتلك زمام الأمور كلها، فإنه لم يبادر لإجبار المنافقين وإكراههم على الإيمان والطاعة، وإنما كانت لهم الحرية في ما يرون ويعتقدون «لكم دينكم ولي دين».

إننا نعتقد بأن الإسلام أعلى كعبا وأرفع مقاما من أن يفتقر إلى المنطق والحجة في مناقشة ومجادلة المخالفين له، بل إن سر عظمة الإسلام تكمن في كونه قد جمع تحت جناحيه كل الأديان والطوائف والأعراق، وكفل لهم سبل العيش والتواصل ونبذ كل أسباب الفرقة والاختلاف والتناحر، وإن مدرسة أهل بيت النبوة والصحابة الكرام، قد كانوا أكثر من أسوة حسنة لنا في هذا الإطار، خصوصا وأنهم كانوا يردون السيئة بالحسنة ويواجهون الرأي بالرأي ويخفضون الجناح لمخالفيهم ويجادلونهم بكل لطف وأدب وخلق، والأجدر بنا أن نعود إلى النبع والمصدر الصافي ونترك وراء ظهورنا هؤلاء الذين ظهروا فجأة ويسعون للخلط بين الحق والباطل من أجل مصالح وأهداف خاصة متعارضة ومتناقضة مع الإسلام وقيمه السمحة ومبادئه النيرة.

sayidelhussein@