الملك عبدالعزيز في «المسجد النبوي»

يوم التأسيس فرصة لكل مواطن للاطلاع وقراءة الصفحات التاريخية ومعرفة الجهود التي بذلت في كل مجالات تقدم ونهضة هذا الوطن، ومن تلك المجالات «العمارة السعودية الحديثة» متى وكيف بدأت؟ وما نماذج تلك النهضة؟ - هنا وقفة مستحقة - للرد على من يقول إن هذه التجربة تجربة مستوردة من الخارج ولا تناسب البيئة المحلية، ومهما يكن من أمر فإن هذه التجربة الفريدة لها بعد زمني تاريخي، وهناك نماذج كثيرة لها تؤكد تفرد التجربة السعودية في العمارة، - وهذا لا يمنع أن كل مجتمع يستفيد من أي مجتمع آخر- ويقوم بالتعديل أو الإضافة لتلائم بيئته المحلية.

وأفضل نموذج للعمارة السعودية هو مشروع توسعة المسجد النبوي الشريف، وهو نموذج معماري له بعد تاريخي يمتد إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ولكن لم تحدث له تغيرات كبيرة من كل النواحي كما حدث في المرحلة الثالثة من الدولة السعودية، وهذا النموذج ليس له مثيل أو نوع على مستوى العالم سواء في التصميم أوالحجم ويمكن وصفه بأنه من عجائب الدنيا، مما يؤكد أن العمارة السعودية لها سمات ومراحل تاريخية مهمة.

من تلك المراحل المهمة بداية مشروع المسجد النبوي في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي أصدر أمرا ملكيا ورد فيه (من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل.. إلى جناب المكرم الابن عبدالله الفيصل سلمه الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد، فبعد اطلاعنا على ما رسمناه برقم 27/ 4 / 28 / 88 وتاریخ 11 رمضان 1370.. بما أمرنا به.. محمد بن لادن، المدير العام للعمائر والإنشاءات الحكومية من أجل الحرم النبوي لتوسعته وإصلاحه وصيانته، وذلك طبقا لما رفعه إلينا من تقرير المهندسين المصريين بموافقة وزير الأشغال المصرية عثمان محرم - آن ذاك - وبالنظر لرغبتنا في الاستئناس بآراء خبراء فنيين من أجل مشروع التوسعة والإصلاح والصيانة فقد استقدمنا مهندسين من الباكستان.. وبعد أن رفع لنا مدير العمائر والإنشاءات الحكومية محمد بن لادن.. تقرير الهيئة المذكورة مؤيدا لتقرير الهيئة المصرية رسمنا ما هو آت:

أولا: يستمر العمل في توسعة الحرم وإصلاحه على أساس الخريطة المرفق صورتها بأمرنا هذا، وهي التي وضعها المهندسون المصريون وأقرها المهندسون الباكستانيون ووقعوا عليها والتي بموجبها تهدم الأقسام الثلاثة من الحرم الشرقي والغربي، والشمالي، ويبقى القسم الجنوبي.

ثانيا: يلاحظ في ارتفاع الأبنية الجديدة ألا تعلو عن المسجد الحالي.

ثالثا: عليكم وعلى وزير ماليتنا وعلى مدير الأعمال والإنشاءات الحكومية محمد بن لادن إنفاذ أمرنا هذا بكل ما يتعلق به ويخصه والله ولي التوفيق والسلام).

في هذا الأمر الملكي توجيه إلى إدارة حكومية مرتبطة بوزير الداخلية مهمتها الإنشاء والتعمير، وليست هي شركة خاصة، لأن نظام المؤسسات والشركات الخاصة لم يظهر بعد، ويشرف على هذه الإدارة ويتابع أعمالها لجنة حكومية من الإدارات المختلفة بالمنطقة مع التعاون والتنسيق مع وزارة المالية، واكتسبت هذه الإدارة خبرات كثيرة من هذا المشروع حيث نفذت مشاريع تنمية في أماكن أخرى مثل الطرق والجسور ورصف الشوارع وأعمال أخرى في المدينة المنورة وفي مدن أخرى لا يتسع المقال لها.

وفي هذا الأمر الملكي يلاحظ أن المشروع ليس عشوائيا بل استند على آراء هيئات استشارية من مهندسين قدموا من مصر وكذلك مهندسين من باكستان قاموا بدراسة المشروع وتحكيمه، وهذا من باب الاستفادة من خبرات الآخرين، وحتى إن جنسيات العمال كانت متنوعة مما أكسب المشروع بعدا جديدا لم يكن معروفا في المجتمع المحلي، وفي هذا الأمر الملكي أيضا توجيهات إدارية وهندسية تستحق الإعجاب والتقدير، وبالتأكيد أن هذا المشروع يمثل الانطلاقة الحديثة للعمارة السعودية.

@ealfaide