عيد الفايدي

المدينة المنورة «بلا أسوار»

الأربعاء - 01 فبراير 2023

Wed - 01 Feb 2023

للمدينة مكانة ومحبة عند كل مسلم سواء كان مقيما فيها أو زائرا لها أو مسؤولا عنها، كيف لا وهي مهجر النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومركز انطلاق دعوته، ودونت مصادر السيرة والتاريخ كثيرا من المعلومات والوصف الدقيق لكل مرحلة وكل عصر، ومن ذلك ما ورد عن أسوار المدينة المنورة التي لم تظهر في القرن الأول ولا القرن الثاني الهجري بل بدأت ملامح الأسوار تظهر في منتصف القرن الثالث للهجرة واكتملت تلك الأسوار إبان الدولة العثمانية.

أما في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله تعالى - فقد أزيلت تلك الأسوار وبدأت مرحلة جديدة من تاريخ المدينة الحديث وتسارعت مشاريع البناء وفق مخططات هندسية بدأت في توسعة الحرم النبوي إلى وقت قريب أماكن بعيدة وخالية من السكان وإنها خارج النطاق العمراني، وفي تغريدة خاصة لمعالي وزير الإسكان والشؤون البلدية أشاد بخطوة إزالة الأسوار، حيث قال معاليه «أمانة المدينة.. تزيل الأسوار وتسهم في تكوين مساحات جميلة لمرتادي المكان، بورك العمل والأثر».

وكانت تلك الخطوة ضمن مشروع ميدان الملك عبدالعزيز بالمدينة لتحسين وتطوير وزيادة المساحات والمسطحات الخضراء، وفي هذا الاتجاه أيضا تم إزالة سور حديقة الملك فهد وحديقة حي الخالدية، وكما يعرف الجميع أن امتداد حرم المدينة محدود جدا ومقيد بحديث نبوي ثابت، وتلك المساحة لا تحتمل وجود أسوار داخل حدود الحرم، ومع ذلك توجد أسوار تشكل فواصل وعدم تكامل بين الأحياء السكانية، من تلك الأسوار سور مدينة المعرفة والذي يمتد إلى أكثر من 3 كلم داخل النطاق العمراني ويفصل الشوارع بعضها عن بعض ويمنع الاتصال أو الاستفادة من المساجد والشوارع أو المسطحات الخضراء الموجودة في داخله، علما أن الكثافة السكانية فيه قليلة جدا.. فهل يمكن إزالة ذلك السور مع أسوار جامعة طيبة والجامعة الإسلامية لتكتمل الصورة التي أشار إليها معالي الوزير في تغريدته عن سور مبنى الأمانة؟

والزائر لمباني الجامعات في أوروبا وأمريكا يلحظ أن ليس للجامعات أسوار بل لوحة على جانب الطريق فيها اسم الجامعة وأن المباني الجامعية غير منفصلة عن المباني السكانية ويستفيد الجميع من خدمات تلك الجامعات.

ومن المبادرات الرائدة التي أعلنت -هذا العام- تلك المسابقة المقدمة من أمانة المدينة للمكاتب الهندسية وطلاب الجامعات لتصميم بعض الأحياء وتقديم دراسات وحلول تنظيمية لمشكلات تلك الأحياء ولعل هذه المبادرة هي من الحلول الجزئية، أما الحل الشامل يتمثل في إعلان مسابقة لمخطط استراتيجي شامل تحت مسمى «المدينة مدينة المستقبل» تحقيقا لمستهدفات رؤية المملكة 2030 والتي تهدف لرفع الطاقة الاستيعابية، واستضافة 30 مليون معتمر بحلول عام 2030، هنا يتأكد الحاجة والضرورة الملحة لمخطط جديد وشامل للمدينة المنورة يحل كل إشكاليات الأحياء السكانية ويربط بين محور المدينة المنورة وهو الحرم النبوي وبين كل جزء من أجزاء المدينة.

قد يقول قائل إن هناك طرقا موجودة تبدأ من المسجد النبوي؛ لكن هذه الطرق غير كافية والزائر يدرك الحاجة لحرية الحركة وزيادة العدد، وخاصة أن الطاقة الاستيعابية للحرم في تزايد بالرغم من أنها وصلت الآن إلى ما يقرب من مليوني مصل.. هذا العدد بحاجة لخدمات كثيرة -يصعب حصرها في هذا المقال-.

ومن تلك الخدمات وجود خطوط نقل متنوعة تستفيد من مشاريع الطرق السريعة حول منطقة الحرم مثل الطريق الدائري الأول وهو طريق الملك فيصل وتربط الحركة مع الطريق الدائري الثاني والتي كان من أهدافه نقل الحركة من منطقة المحور -الحرم- إلى مناطق أخرى، ولكن الذي حدث أن المراكز التجارية وكثيرا من المصالح نقلت على جوانب الطريق الدائري الثاني وبالتالي زادت المشكلات التي تحتاج لحل.

وقد أدركت بعض المدن العالمية وقامت فعلا بتغطية الطرق السريعة فيها وتحويل حركة السيارات داخل الأنفاق مع الاستفادة من سقف الطريق كمساحات خضراء ومنطقة نشاط جديدة ومناطق اتصال بين جوانب الطريق وهذا ما تم تنفيذه أيضا في بعض أجزاء الطريق الدائري الأول، والذي أتمنى أن تكتمل تغطيته مع الطريق الدائري الثاني؛ لتحقيق الترابط بين أجزاء النسيج العمراني وتسريع الحركة والانتقال.

وأيضا من تلك الخدمات مطار جديد غير المطار الحالي الذي أحاطت به الأحياء والتضاريس الجبلية، ولعل وجود مطار جديد يكون في الجزء الجنوب الشرقي وعلى بعد مائة كيلو يفتح المجال لفوائد اقتصادية واستثمارية جديدة، وبالتأكيد أن مستهدفات الرؤية تحتاج لمخطط شامل ومتنوع لا يوجد فيه أسوار داخل النطاق العمراني للمدينة. لعل وعسى هذا يتحقق.

ealfaide@