خليل الشريف

التفرد كمبدأ للإصلاح

الاحد - 25 ديسمبر 2022

Sun - 25 Dec 2022

قرأت سؤالا جيدا يوما ما؛ كيف يمكن أن يكون الإنسان صالحا في نفسه؟ ومن ثم مؤثرا في صلاح الآخرين؟ أتصور أن أول قضية يجب أن يعيها الفرد منذ أن ينضج في الحياة هي فكرة التفرد، وأعني بها أنك كإنسان حينما قدر لك أن تحيا، لم تكن أبدا على الإطلاق مجرد عدد إضافي للبشرية ما لم تر نفسك أنت على هذا النحو، ما لم تعرف أنك خلقت لغرض حقيقي يخصك أنت كفرد دون عن سائر مخلوقات الدنيا التي وجدت منذ أن وجدت الأرض، فستبقى نظرتك لذاتك مرهونة لآراء الآخرين أو ما يسمى بالمحفز الخارجي أيا كان شكل هذا المحفز، صديق، زوج، قبيلة، بلد، دين، عادات.

إن بذرة الصلاح لا تأتي من الخارج ومن يبحث عنها في الخارج فهو يبحث عنها في العدم، إنها موجودة في داخلك ولكنك مشغول دائما بآراء الخارج مشغول بما تبدو عليه أمام الناس.. وهذا بحد ذاته يقتل التفرد.. التفرد يعني أن كل يوم جديد هو حياة جديدة ومعجزة حقيقية تحصل لك كل يوم.. ولكنك للأسف لا تدركها ولا تعي أهميتها.. المؤثرون في الحياة دائما ما يكونون أشخاصا يشعرون بتفردهم ويكتشفون غايتهم الحقيقية في الحياة.. إنهم أصحاب تفكير غير محدود ومبتكرون ومجددون.. ولا ينسجمون مع الطريقة التي لطالما سارت الأمور عليها.

لكي أثبت لك قيمة التفرد وأثره في الحياة.. لعلنا فقط نرجع لأكثر الأمور بساطة وتلقائية في حياتنا.. لنتخيل عملية طبخ الأكل.. لو أن جميع الشعوب قامت بفعل الأمور بالطريقة نفسها التي اعتدنا القيام بها منذ أن وجدت البشرية.. حينها سيكون هناك كتاب طبخ واحد في العالم وسيكون هناك وصفة واحدة.. خذ خروفا وأوقد نارا كبيرة في الهواء الطلق ضعه فوقها، وهذا كل ما في الأمر!

في المقابل ظهر الإبداع والتأثير من المتفردين.. بدؤوا بإضافة شيء هنا.. ووضع شيء هنا.. وتغيير شيء هنا.. حتى أصبحت عملية الطبخ عملية لا نهائية الإبداع ولا محدودة الابتكار.

أعلم قد يقول البعض نحن نتكلم عن الصلاح والقيم والأخلاق والتأثير القيمي.. إن هذا ما أنا ذاهب إليه في مقالتي بالفعل، يملك الأشخاص المتفردين الواعين ذاتيا بما يريدونه من حياتهم؛ فهما وشعورا سليما بقوة القيم، قوة الحب، وقوة الكرم، وقوة العطاء وقوة الالتزام.. هذه القيم لا يقومون بالبحث عنها.. إنها في الحقيقة هي من تجدهم.. باعتبار أنهم عرفوا من يكونون. وأدركوا إلى أين تكون وجهتهم.. وهذه القيم عندما تستحوذ عليهم فإنهم لن يعودوا يقدمونها بطريقة متناقضة ونفعية.. كما ترون فإن السبب الأعظم وراء التوتر في عالمنا تواجدنا في أي شكل من العلاقة غير المحسومة.. إن السبب ليس الطلاق، ولا تغير المهنة، ولا خسارة الوظيفة، ولا فقدان شخص عزيز عليك.. بل السبب الحقيقي هو العيش في علاقة تعلم أنها غير محسومة.. كما تدور الأفكار السامة في الرأس.. لا أعرف إذا كانت هذه الوظيفة مناسبة لي..؟ لا أعرف لو انتظرت سوف يتغير الوضع..؟ أنا أنتظر لعل هذا الشخص يتحسن في المستقبل..؟ ربما هذا التخصص مناسب لرغبتي أو لا..؟ هل أصبح الوقت مناسبا للتقاعد الآن أو فيما بعد؟ أنا أنتظر عشرين سنه لعلها تتحسن الأمور يوما ما..؟ وتطول الأمور وتزداد المتاهة.. إن العيش هكذا سواء لمدة عشرين سنة أو عشرين ساعة يستنزف الطاقة منك.. بينما المتفردين توجههم القيم التي هي اختارتهم ولم يختاروها.. فإذا كانوا محبين وكرماء ونافعين وصادقين.. فهم يفكرون على هذا النحو (أنا أنظر للعالم وأرى أشخاصا أقدرهم بل وأحبهم وأبذل ما بوسعي لأكون جيدا معهم) لأي شخص. لا يتوجب على أي شخص أن يرقى لمستوى توقعاتي ولا أريد أن يطلب مني أن أرقى إلى مستوى توقعات أحد.

التفرد ليس الغرور والذاتية والنرجسية.. كل هذه المصطلحات تتطلب محفزا خارجيا تتطلب الرياء والنفاق والتكبر إنها مرهونة للخارج ومشوهة جدا من الداخل.

كل ما يمكن أن أقوله عن التفرد ما يلي.. عليك أن تفهم أنك بينما تجلس هنا، لم يسبق أن فكر أحد فيما تفكر فيه، ولم يشغل أي شخص المساحة التي تشغلها، لنحاول فعلا فهم ما يتحدث عنه الفلاسفة (الوحدة الوجودية) أي أنك وحدك في الكون وعليك أن تختبر تلك الوحدة وفق طريقة خاصة ومعينة بحيث لا تسمح لنفسك أن تشعر بالإحباط أو الاكتئاب بسببها، لا أحد يستطيع أن يقف خلف عينيك ويشعر بما تشعر به، ويختبر ما تمر به باستثنائك أنت، يمكنك أن تكون في قاعة مكتظة بالناس وتبقى وحيدا.. أنت دائما ما تختبر الأشياء بطريقتك المميزة والفريدة من نوعها.. ولكن ما الذي يحدث؟ منذ التنشئة في المنزل أو المدرسة أو العمل.. غالبا ما يلغى الاهتمام بالتفرد.. غالبا ما يعامل الناس وكأنهم عينة واحدة.. وكتلة واحدة.. ما لم يخرج الإنسان نفسه بنفسه من هذه الدوامة أو سينسى من هو.. ولماذا هو بالذات دون عن أي أحد من البشر موجود هنا والآن؟ وماذا عليه أن يعرف ويهدف إليه؟

kakateb@