كيف يتلاعب نظام الملالي بالأمريكان؟

رويا حكاكيان: استمروا في تقديم التنازلات وصدقوا أن خامنئي ألغى شرطة الأخلاق
رويا حكاكيان: استمروا في تقديم التنازلات وصدقوا أن خامنئي ألغى شرطة الأخلاق

الأحد - 11 ديسمبر 2022

Sun - 11 Dec 2022

فشلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في التفاعل مع المظاهرات الإيرانية الحالية التي انتشرت في 270 مدينة، وأدت إلى مقتل 700 مدني أعزل، وتصور الإعلام الأمريكي أن الاحتجاجات التي تنتشر على مدار الشهور الثلاثة الماضية سببها حادثة مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، دون أن يدرك أن الانفجار الكامن داخل الإيرانيين ينتظر شرارة واحدة حتى ينطلق في كل الاتجاهات.

وأكدت الشاعرة الأمريكية - الإيرانية رويا حكاكيان في مجلة «ذي أتلانتيك» أن نظام الملالي تلاعب على مدار الشهور الماضية بالإدارة الأمريكية، بعدما استمرت الأخيرة في تقديم التنازلات دون أن تتقدم مرة واحدة بحزم لوقف التجاوزات الإيرانية المستمرة.

وأكدت أن الأمريكيين وجانبا كبيرا من الأوروبيين صدقوا خدعة الملالي بإلغاء «شرطة الإرشاد»، وتصوروا أنه يمكن التعايش مع النظام الحالي، في حين تؤكد كل المؤشرات أنه لا سبيل سوى إسقاطه.

نقاط الضعف

أوضحت حكاكيان أن العديد من شيوخ النظام أدركوا منذ فترة طويلة – من خلال مصير النظام السابق في الواقع – أن التنازل للمحتجين يعني الكشف عن نقطة ضعف، وفي يناير 1979، حاول آخر ملك إيراني، الشاه محمد رضا بهلوي، قمع المعارضة التي واجهها من خلال تعيين شهبور بختيار رئيسا للوزراء.

كان بختيار إصلاحيا حظي بتقدير كبير من بعض المقربين من روح الله الخميني، الزعيم الفعلي لحركة الإطاحة بالشاه. لكن الخميني رفض الخطوة فورا واصفا رئيس الحكومة الجديد وحكومته بغير الشرعيين، وتعهد باستمرار الحركة حتى تفكك الملكية.

يدرك النظام أنه حتى وإن قدر على الإصلاح فقد فوت عليه فرصة ذلك، كانت الحركة الخضراء سنة 2009 أفضل آخر فرصة، وفي ذلك الوقت كان المحتجون يتساءلون «أين صوتي؟» لأنهم تمتعوا حينها بأمل التغيير عبر انتخاب رئيس محتمل مير حسين موسوي، من بين المرشحين الذين وافق عليهم المرشد الأعلى، لكن الانتخابات المزورة التي أعقبتها حملة قمع عنيفة أثبتت أن النظام كان في غاية التعنت.

مسرحية سياسية

بالرغم من صخب النظام المناهض للغرب، لطالما عرض الكثير من مسرحياته السياسية للاستهلاك الأمريكي؛ في غياب العلاقات الدبلوماسية، هكذا يحاول النظام توجيه رسالة والتأثير على واشنطن. بالتالي، تتصرف طهران بالطريقة التي تعتقد أن الولايات المتحدة تنظر إلى أحداث الأشهر الثلاثة الماضية.

وأشارت حكاكيان إلى أنه ومنذ البداية، قلل كثر في واشنطن من جدية وحجم الحركة الاحتجاجية، كانت هناك تظاهرات في كل زاوية إيرانية، وليس فقط في المحافظات التي تضم عددا كبيرا من الأقليات الإثنية المستاءة مثل بلوشستان وكردستان لكن أيضا في المدن المحافظة بشكل كبير مثل قم وخمين، المدينة التي ولد فيها الخميني، وحيث أشعل المحتجون حديثا النيران في منزله السابق، وكما هو متوقع، رفض الأساتذة الجامعيون التدريس ونظم طلابهم اعتصامات، لكن حتى البازاريون الأكثر محافظة أغلقوا أعمالهم مؤخرا، تخليدا لذكرى نوفمبر الدموي من سنة 2019 حين قاد الإيرانيون انتفاضة عامة قتلت خلالها شرطة مكافحة الشغب المئات من المتظاهرين.

وثائق مسربة

وتؤكد الكاتبة أنه وفقا لتقدير طهران، فإن الاستدارة نحو الغرب هي أفضل أمل لها كي تتجاوز الأزمة، والنظام واقع تحت ضغطين شديدين من الداخل والخارج. سيؤسس تصويت حديث في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لجنة خاصة للتحقيق في العنف ضد المحتجين، وأدت خلافات داخل الجيش الإيراني إلى اعتقال 115 عنصرا ساخطا وفق وثائق مسربة، وزاد دعم إيران لحرب روسيا في أوكرانيا من توتر علاقات طهران مع الغرب.

مع مواجهة وضع متدهور على جبهات كثيرة إلى هذا الحد، يأمل النظام تحسين حظوظه عبر إظهار أنه قادر على التغيير، من خلال تخفيف بضعة قيود، تأمل طهران إقناع واشنطن بأنها عالجت مطالب المحتجين كي تتمكن ربما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تليين موقفهما واستئناف المفاوضات النووية بشكل محتمل.

سجل سيئ

ولفتت إلى أن لدى واشنطن سجلا طويلا من سوء قراءة الأحداث في إيران، فعشية 1978، وقبل أسابيع فقط على اندلاع تظاهرات شاملة في البلاد، شرب الرئيس جيمي كارتر نخب الشاه وأشاد باستقرار حكمه، واستمرت الولايات المتحدة في هذا التفكير الرغبوي الخاطئ لفترة طويلة من عام الشاه الأخير في الحكم، معولة على قدرته في الاحتفاظ بالسلطة.

وبالنظر إلى هذه السابقة، قد تكون حسابات طهران داهية، بعد ساعات على إعلان منتظري، رد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على سؤال بشأن حل شرطة الأخلاق عبر الإشادة بشجاعة المحتجين والقول بطريقة ملتبسة إنه «إذا كان النظام قد استجاب الآن بطريقة ما لتلك التظاهرات، فهذا يمكن أن يكون أمرا إيجابيا».

تلاعب ومأساة

وفي النهاية تقول الشاعرة الإيرانية، إنه طالما أن القادة الأمريكيين يفشلون في إدراك أن الحركة في إيران هي أكثر من تمرد على قواعد لباس تقليدي، فطهران تدرك أنها قادرة على التلاعب بالولايات المتحدة كي لا ترد بالجدية المطلوبة.

وتضيف «كانت المأساة سنة 1979 أن الولايات المتحدة لم تر التغيير الذي سيجعل الحياة في إيران والمنطقة أسوأ بكثير مستقبلا. المأساة في 2022 ستكون في عجز الولايات المتحدة عن رؤية أن التغيير المقبل سيجعل الحياة في إيران وعلى امتداد المنطقة أفضل بكثير».

مشاهدات إيرانية:

  • كشفت منظمة مجاهدي خلق من داخل إيران عن خطط نظام الملالي، خاصة عبر علي شمخاني، لمنع الانتفاضة في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران

  • يحاول مسؤولو الأمن تعويض أوجه القصور التنظيمية لديهم من خلال التخابر وبث الفرقة بين طبقات اجتماعية مختلفة، بعضها ضد بعض

  • يريد نظام الملالي استغلال الشتاء للتغطية على أزمة المياه في خوزستان بمساعدة بعض رؤساء العشائر للنجاة من الانتفاضة

  • طلب من السكان في منطقتي الهويزة وجنوب الهويزة الانتظار أسبوعا آخر حتى يتم حل مشكلة المياه


الموت للديكتاتور

تقول الشاعرة حكاكيان إن المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري الأسبوع الماضي أكد أنه سيتم تعليق دوريات الإرشاد المعروفة على نطاق واسع باسم شرطة الأخلاق، ومع أنه سارع إلى إضافة أن القضاء سيواصل مراقبة السلوك العام، شكل الإعلان اعترافا واضحا بالعبء الذي فرضته الاحتجاجات الحالية على النظام.

وأضافت أن كلام منتظري كان ملتبسا على جري عادة كبار المسؤولين الإيرانيين، ولم يوضح ما إذا كان المرشد الأعلى علي خامنئي وافق على القرار، كما لم يكشف عما سيحدث للنساء اللواتي يظهرن في الأماكن العامة من دون الحجاب الإلزامي، ومنذ ذلك الحين نفى التلفزيون الرسمي الحكومي هذا الإعلان.

ودعمت تلك الأنباء المحتجين لأنهم شعروا أن ذلك يمثل انتصارا صغيرا، لكنهم غير راضين لأن حل دوريات الإرشاد إذا صح، مجرد بداية بالنسبة إليهم.

وفي مقابلة مع بي بي سي، قال متظاهر لم يذكر اسمه «الثورة هي ما نملك، كان الحجاب بدايتها، ولا نريد أي شيء أقل من الموت للديكتاتور وتغيير للنظام.»

ويدرك النظام هذا.

شرارة المظاهرات

وتابعت الكاتبة: يميل العديد من المسؤولين الأمريكيين وصناع الرأي إلى إبراز دور «النساء والفتيات» في الحركة الحالية، وكأن فرض الزي الإسلامي النسائي هو كل

ما كانت التظاهرات بشأنه، حتى بينما هتف المتظاهرون «الموت للديكتاتور!» وإهانات أخرى لا يمكن ترجمتها.

وغرد الموفد الأمريكي الخاص للشأن الإيراني روبرت مالي في أكتوبر أن الشعب الإيراني «يواصل الاحتجاج سلميا كي تحترم حكومته كرامته وحقوق الإنسان»، بينما

أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس دعم إدارة بايدن لـ»أولئك الإيرانيين الشجعان، من بينهم العديد من النساء والفتيات، الذين يحتجون سلميا للمطالبة بإصلاحات».

وتوضح الكاتبة أن المتظاهرين لم يطالبوا بشيء كهذا، شعارهم هو أن قضية الحجاب كانت مجرد شرارة، لقد صرخوا «جوهر النظام هو هدفنا».

ثورة حقيقية

ووفقا للكاتبة.. يدرك النظام أيضا أنه من بين جميع الاحتجاجات التي انتشرت في إيران خلال العقود الأربعة الماضية، تبدو هذه الجولة الأخيرة مختلفة جدا، لم تكن أي انتفاضة أخرى منتشرة ومستمرة إلى هذا الحد، كما لم تتحد أي منها أساس النظام نفسه، هذه المرة، تبدو إيران أكثر على عتبة ثورة حقيقية، لأن النظام لا يستطيع إخضاع الساخطين ولا تلبية مطالبهم.

شخص من 400 ورغم أن النظام قتل أكثر من ألفا، لم تقمع الحركة، 16 شعبه واحتجز نحو بمواجهة فشل القمع، يبدو النظام مقدما تنازلا عبر سحب دورية الإرشاد، وتطرح حكاكيان سؤالا: لماذا هذا التنازل طالما يعلم رجال الدين مثل محاولة الشاه تهدئة المتظاهرين؟ لكنها تعقب كاتبة أن السؤال الأفضل ربما هو «لمن هذا التنازل؟».

تجاهل المحتجون داخل إيران كل الأخبار وأطلقوا إضرابا عاما لثلاثة أيام، أغلقت متاجر وبازارات عدة الأسبوع الماضي تضامنا مع المحتجين، لذلك يجب أن يكون التنازل إشارة إلى العالم الخارجي وفي مقدمته الولايات المتحدة.