عبدالخالق المحمد

تهافت الإعجاز العلمي في بناء الاستدلال العقدي

الخميس - 17 نوفمبر 2022

Thu - 17 Nov 2022

هل الأمور الغيبية يستدل بها على المخالفين قبل أن تقع؟ فهل يصح القول إن القرآن قد قال إن الشمس ستكور ويذهب نورها وإن السماء ستتشقق ويرى فطورها والبحار ستفجر ويسجر ماؤها ثم يقال إن العلم أثبت ذلك؟! أم هي محاجة المخالف بأمر غيبي على أمر غيبي؟! فهذه أمور غيبية لا تصير دليلا إلا بعد وقوعها على الوجه المخبر به.

إن عالم الآخرة وأهوال يوم القيامة هي من الغيب المحض الذي لا يدركه علم ولا بشر؛ ولكن المؤمنين يؤمنون بهذا سواء أثبته العلم أو نفاه وهو من جملة الأمور الغيبية التي يصدق بها بناء على إيمانه من مصادر الاستدلال الأخرى والحق أن على المسلم إلا يتتبع جزيئات الأمور الغيبية، فالواجب الإيمان بها إجمالا والاستناد على دلائل الإسلام الكبرى في ذلك.

والخوض في مسائل الغيبيات يجعل العقل يغرق في بحار لا سواحل لها، ويضيع في متاهات لا مخرج منها.

فالعاقل كما يحافظ على جسده من الأمور المتعبة والصعاب المرهقة ويرى استحالة حمل جسم يفوقه مثلا؛ فعليه أن يحفظ عقله عن الخوض في مساحات لا طائل من ورائها ومعلوم استحالة إدراكها كما أخبر خالقها، فليس له من ذلك سوى ارتياب الاعتقاد وشغل التفكير والبال والحرمان من برد اليقين.

ولا يدعي المخالف المكذب بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان بهذه الجزئيات الدقيقة والتي قد تصدق في الأديان الأخرى بل حتى الوضعية منها وتوافق العلم. بل إن الواجب على المسلم أن يدعو إلى الله، كل حسب حاله وعلمه، دون تكلف أو تعقيد فلا ينبغي هذا التكلف الحاصل في الاستدلال والدعوة فقال الله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين).

والطالب للحق الناظر بعين الصدق يرى أن من أكبر أسباب دخول الناس في دين الله أفواجا، هو حسن الأخلاق وطيب المعاشرة وصدق التزام المسلم بدينه واتباع أوامره، مع ما في الإسلام من انسجام تام مع الفطرة السوية والنفس الزكية، والشريعة السمحة التي ما تجد تخفيفا على المكلفين إلا أخذت به.

وحتى في كتب السير والفتوحات الإسلامية لم يشرع الفاتحون في بيان إعجاز القرآن والاستدلال بجزئيات منه حتى يصدق ويؤمن المخالفون! لقد كان العدل والرحمة والإحسان هم أكبر الدعاة.

والناظر لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- يجد أنه بدأ بأكبر الأمور فمكث في مكة ثلاث عشرة سنة لا يزيد عن قول (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)، إنه التوحيد الذي كان أصل خلافه مع المشركين، وكان القرآن يلفت انتباههم إلى ما يقرون به لله من بدائع المصنوعات وأنواع المخلوقات، فتارة إلى السماوات المرفوعات وأخرى إلى الجبال المنصوبات ومرة إلى دورة النبات، وأخرى لتسخير الحيوانات.

بل وإلى أصل الإنسان وخلقه. والملاحظ فيها جميعا أنها مدركة معلومة لعموم المخاطبين حينها ولمن بعدهم، فلا غموض فيها بل كانوا يقرون بها لله عز وجل.

وقد أعود هنا لنقطة ذكرتها في مقال سابق عن مراحل تكون الجنين وزعم سبق الإعجاز فيه فأقول: الدليل لا يقوم إلا على من يسلم بمقدماته وآيات تكون الجنين ومراحلها، هي مقدمات جعلها الله ليثبت للكفار إمكانية البعث بعد الموت؛ فلو كانت هذه المقدمات مجهولة لا يسلم بها المخالفون لما صح استدلال القرآن على إمكانية البعث والنشور؛ فالخطأ في منهج الاستدلال هنا أحسبه واضحا بينا.