إيلون ماسك وبشائر الحرية

أعلن إيلون ماسك المالك الجديد للطائر الأزرق، عندما استحوذ على تويتر، أن طائره أصبح حرا طليقا وبشر الناس بذلك.

وهي بشرى سارة وكلمة جميلة من مغامر يبحث عن الشهرة والثروة، وعن عالمه المفتوح إلى الفضاء العريض، إذ تدور شركته العملاقة (سبيس إكس) وما تحمل من دوائر الأقمار الصناعية التي تعد المجتمع الإنساني بأن يكون الفضاء أمامه مفتوحا على مصراعيه، كي تزود الأرض ومن عليها بوسائل الاتصال المباشر، وتخطي العقبات التي تضعها الدول على وسائل التواصل بين الناس.

إيلون ماسك، مغامر تحقق الكثير من مغامراته النجاح على الأرض، وأهمها صناعة السيارات الكهربائية الأشهر في العالم (تسلا)، وفي هذه الصناعة بالذات حقق سبقا ونجاحا غير مسبوقين، ثم انتقل إلى الفضاء بمجموعة كبيرة تمثلها شركات فضائية عملاقة. وفي ظاهر ما يقول، إن الحرية مطلب مهم، وهو يوفرها للناس ويدعو إليها، ويعلن أن الحرية حق مشروع لكل من على الأرض، ولا يرى أن توضع الحواجز والسدود، وتتحكم الأنظمة في حريات الناس وحقهم في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم. والحرية غالية في ذاتها يطلبها الناس ويبحثون عما يحقق لهم غاياتهم ومطالبهم، ولا سيما إذا كان المطلب متفقا على أهميته، كحرية التعبير والحاجة إليها قائمة في نفوس الناس وفي عقولهم. والحديث عن الحرية حديث طويل وطويل جدا، وإن اختلفت معايير البشر للحرية وحدودها والمشاع منها والشخصي، ومن يطلب الحرية لنفسه ومن يطلبها لغيره، ومن يطالب بها ومن يحد منها، ومن يمن بها إذا حققها.

كلمة الحرية أصبحت مثل كلمة الضمير، ومثل كلمة حقوق الإنسان، وكلمات غيرها كثيرة في أدبيات الناس وفي الثقافات وفي الواقع، وفي الادعاء تقال ويتكرر الحديث عنها، وقلما يتفقون على حدودها ومن أين تبدأ وحيث ما تنتهي، وكيف تكون الحرية ولمن تكون أيضا. هي أسئلة حائرة، لا تجد جوابا متفقا عليه، وإن اتفقوا على أهمية الحرية وقيمتها وطلبوها ونادوا بها.

ولا شك أن في اختراعات الحاضر وسائل كثيرة تظهر، للوهلة الأولى، أنها تعطي المتعاملين بها مساحة كبيرة من الحرية التي لا تحد في حدود الجغرافيا، ولا تخضع لقوانين الدول والأنظمة، وهي بتجاوزها للتقسيم الجغرافي والثقافي تمد أمام المستعملين مساحة طويلة يظن المتسرع في النظر أنه أصبح في الفلك الدائر البعيد، الذي يتجاوز القوانين المحلية بما يمكنه من ممارسة ضروب من الأعمال والأقوال، تبتعد عن رقابة الثقافة ورقابة الذات وحتى رقابة القوانين، التي تمنع أو تحد من حريته، وقد أصبح بعيدا عن متناول موانع الحرية ومثبطاتها، وفتح أمامه بابا واسعا لمنطلقات بعيدة في مداها الذي تتسع فيه إشارة السماح بالانطلاق إلى عالم بعيد لا تصله الرقابة، التي كانت الحرية حبيسة بين فكيها في القديم وبوسائله التقليدية.

فهل يستطيع إيلون ماسك الوفاء بوعده وتحقيق الحرية لعملائه؟ ذلك ما ستثبته التجربة أو تكذبه الأحداث.

Mtenback@