سعاد عبدالله الشمراني

نية التحليق تكفي

الخميس - 29 سبتمبر 2022

Thu - 29 Sep 2022

كل انطلاقة مدهشة بدأت بخطوة متعثرة، وكل طائر لم يكن ليستمر بتحليقه في الفضاء لولا أن أخطأته رصاصة طائشة، وكل غيوم سوداء كثيفة يتبعها غيث؛ لذلك انظر للخلف بالقدر الذي يدفعك للأمام فسنن الحياة تصقل شخصيتك وتربيك على توطين قلبك في السماء، يكفي أن تنوي حتى تبدأ الآن، فـ «نية التحليق» كانت كافية لجعل قلوب البشرية ترفرف قبل أن يتحقق حلم الطيران ويصبح واقعا، الوقت ليس متأخرا على البدء في أي أمر، كل شيء يسير في الطريق الذي يتناسب معك، مع صحتك النفسية والجسدية، أفكارك، مشاعرك، قدراتك، يمكنك أن تبدأ الآن، غدا، السنة القادمة، ما دمت تتنفس وتشعر بالحياة يمكنك البدء، يمكنك طي الصفحة، وإعادة صياغة القصة كما تحب. أنت لست متأخرا أبدا.

لا تحزن ولا تيأس عندما تفكر متألما في أمور عالقة كنت تتمناها في حياتك وحالت دونها بعض متاعب الحياة؛ فالعجز هو استسلامك لهذا الحزن، والحرمان رضاك بهذا اليأس، والتوفيق والسعادة رضاك عن الله، وإيمانك بخيرته لك، ويقينك بوعد الله، واعتصامك بحبل الدعاء دائما إلى أن تلقاه.

لا بأس أن تتوه في فصول قصتك وتحتار عناوينك بين المأمول وما فات وما هو آت، لا بأس وإن ما زلت تائها في سماوات الحياة ولا تدري بأي أرض تستقر، استمتع بالتحليق الآن ولا تسمح لغيوم الماضي بحجب شمس الحاضر عنك.

عندما أتأمل الحكمة الإلهية وراء كل صعوبات الحياة أدرك يقينا أننا كنا نحتاج لمثل هذه العقبات والابتلاءات حتى ننضج بما يكفي لاستيعاب كل محصلة نهائية من مراحل حياتنا للبحث عن مكامن سعادتنا فيها وتقدير هذه المشاعر، فلربما جاءت حتى توطن فينا قيمة حب الحياة وقيمة تقدير الأشياء كما هي من حولنا، لربما أتت لتهيئتنا لما هو أعظم، أو على الأقل كي تكشف لنا أوجه الحقائق وتسقط أقنعة مزيفة طال ارتداؤها.

أحيانا نتساءل كيف نستعيد الشعور بالحياة بعدما فقدناه مع من رحلوا؟ كيف نستعيد أرواحنا ممن سلبوها؟ كيف نستمر في خوض صراعات الحياة جنبا إلى جنب خسائرنا؟ الجواب بسيط جدا، مشكلتنا الأزلية هي الاعتياد فهو خطيئة لن نتوب عنها حتى نتقن حياكة ما أفسدته الحياة بأيدينا.

الحياة رحلة قصيرة سرعان ما تنتهي؛ لذلك إذا أردت الحصول على الحب يجب عليك أن تعطيه، وإذا أردت التقدير يجب أن تقدر الحياة أولا ووجودك فيها، وإذا أردت الشعور بالسعادة أسعد من حولك، فكل ما تريده في حياتك يجب أن تخلق له مساحة تسمح بمشاركته مع الآخرين حينها سيعود عليك بأشكال وألوان عدة أجمل مما كنت تتصور.