«مع الملك عبدالعزيز في البحر»
الخميس - 22 سبتمبر 2022
Thu - 22 Sep 2022
هذا عنوان مقال كتبه الأديب العبقري «عباس محمود العقاد» كاتب سلسلة «العبقريات» وهو من عدة مقالات نشر في الصحف المصرية، مثل مجلة الرسالة ومجلة المصور، ثم جمعت تلك المقالات ونشرت بعد وفاته في كتاب بعنوان «مع عاهل الجزيرة العربية» وكانت رحلة العقاد تلك هي الأولى إلى المملكة العربية السعودية عام 1946م ضمن وفد مصري رفيع المستوى على ظهر الباخرة المصرية «المحروسة» لتقل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - من ميناء جدة إلى السويس بزيارة تاريخية إلى مصر.
وكان «العقاد» بتلك المقالات لا يدون تسجيلا حرفيا أو صوتيا أو سطحيا بل يدون تسجيلا فكريا عميقا يسبر أغوار الشخصيات ويحلل تحليل خبير نفسي لم يتأثر بمدارس التحليل النفسي الغريبة، فهو يدرك ما يدور حوله في هذه الرحلة التاريخية، وتمكن قلمه من وصف الملك عبدالعزيز وصفا دقيقا عن قرب وشاهد وسمع صراحة الملك مع الآخرين وتمكن من تسجيل ما دار من لقاءات تاريخية بين الملك عبدالعزيز من جهة والوفد المصري على ظهر الباخرة المصرية من جهة أخرى.
وفطن «العقاد» للعقول المتفتحة من الأمراء الشباب المرافقين للملك في هذه الرحلة، وهم الأمراء «محمد وخالد وفهد وعبدالله وبندر ومساعد وعبدالمحسن ومشعل وسلطان ومتعب وطلال ونواف رحمهم الله تعالى»، وما دار بينه وبينهم من أحاديث في التاريخ والأدب، وقد قال العقاد عن الملك عبدالعزيز «إن ابن سعود من أولئك الزعماء الذين يراهم المتفرسون المتوسمون فلا يحارون في أسباب زعامتهم وعظمتهم» ذلك مقياس العقاد في تقدير شخصيات التاريخ.
وقد صور «العقاد» شعوره في هذه الرحلة في مقال نشره بمجلة «الرسالة» تحت عنوان «في الحرم» وكان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يلتقي مع بعثة الشرف المصرية المرافقة في الرحلة أربع مرات في اليوم، وفي كل مجلس من تلك المجالس روى العقاد بأن الملك عبدالعزيز يتحدث في موضوعات حديثا ينم على ما اكتسبه صاحبه في الحياة من تجارب كثيرة، وما حباه الله به من ذاكرة قوية، وأن جلالته كان يتحدث إليهم بعبارات سهلة خالية من كل تكلف؛ فإذا أراد أن يوجه انتباه سامعيه إلى نقطة معينة في حديثه توقف عن الكلام لحظة وقال: «نعم» لشد الانتباه.. ويضيف العقاد أن الملك عبدالعزيز ليس من العظماء الذين يحبون احتكار الحديث في مجالسهم.
أما المقال الذي بعنوان «مع الملك عبد العزيز في البحر» فقد نشره العقاد في مجلة المصور فهو يصف الملك عبدالعزيز بقوله: «إذا عرفت الملك عبد العزيز ثلاثة أيام فكأنك قد عرفته ثلاث سنوات أو لازمته في أطول الأوقات؛ لأن هذا الرجل العظيم مطبوع على الصراحة ووضوح المزاج.. لم تشتمل نفسه القوية على جانب من جوانب الغموض واختلاف الحالات وتناقض العادات.. فهو في أخلاقه وأعماله يمضي على وتيرة واحدة.. وأول ما يدهشك من منظره قوه النفس والعقل والحس على السواء وهو الآن يناهز السابعة والستين ويحتفظ بجميع حواسه وقواه العضلية التي لا تتوافر للشباب في سن العشرين أو الثلاثين.. فهو منذ الصبا لا يميل إلى الإكثار من ألوان الطعام ولا يحب الدسم ولا الحلوى، يقصر غذائه في معظم الوجبات على الأرز واللحم، ويحب من الخضرة البامية على الخصوص، وقد يشرب قليلا من الماء على الطعام وربما استغنى عن شرب الماء بشرب اللبن بعد الغداء أو بعد العشاء، وكان يبكر في الإفطار ويأمر بالغداء بالساعة الثانية عشر ظهرا ولا يتأخر العشاء عن الساعة السادسة مساء، ومواعيده في النوم واليقظة منتظمة في جميع المواسم والأوقات؛ فيستيقظ قبل الفجر ويقضى نحو ساعة في التهجد وقراءة القرآن ويصلي الفجر حاضرا، ثم يستقبل بعض خاصته لاطلاعه على مهام الأمور التي تتطلب التعجيل، ومن عاداته بعد العشاء أن يصغي إلى فصول من كتب التفسير والحديث، ثم تتلى عليه أخبار الإذاعة، والملك عبدالعزيز متحدث طلق الحديث يرسل أحاديثه على السجية بغير كلفة ويعرب عن رأيه بغير مداراة، وتدور أحاديثه على الذكريات التاريخية والمواعظ الدينية والتعقيب على الحوادث الهامة والمسائل العالمية، ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وقد يروي الأبيات من الشعر ويسوق العبر من النوادر والأمثال».
وبذلك يتضح أن وصف العقاد لشخصية الملك عبدالعزيز ليس عاديا.. ولم يكتف العقاد بالوصف النثري الدقيق بل ألقى قصيدة خلال تلك الرحلة:
أسد العرين يخوض غيل الماء
يا بحر راضك قاهر الصحراء
حياه باديها وحاضرها معا
فاغنم تحية يومه الوضاء
يوم من البشرى يردد ذكره
ركب السفين مجيرة البيداء
إن الذي غمر المليك بفضله
ساق البحار إليه في البشراء
لم يقترن بالبحر عيد جلوسه
إلا لعمر زاخر ورخاء
وإذا به عبدالعزيز بطلعه
كالبدر بين كواكب الأمراء
وأرى السماء تأملت مرآتها
في الماء فانطبعت على الخضراء
أرض النبوة حين تم فخارها
خلعت عوارفها على الدأماء
ealfaide@
وكان «العقاد» بتلك المقالات لا يدون تسجيلا حرفيا أو صوتيا أو سطحيا بل يدون تسجيلا فكريا عميقا يسبر أغوار الشخصيات ويحلل تحليل خبير نفسي لم يتأثر بمدارس التحليل النفسي الغريبة، فهو يدرك ما يدور حوله في هذه الرحلة التاريخية، وتمكن قلمه من وصف الملك عبدالعزيز وصفا دقيقا عن قرب وشاهد وسمع صراحة الملك مع الآخرين وتمكن من تسجيل ما دار من لقاءات تاريخية بين الملك عبدالعزيز من جهة والوفد المصري على ظهر الباخرة المصرية من جهة أخرى.
وفطن «العقاد» للعقول المتفتحة من الأمراء الشباب المرافقين للملك في هذه الرحلة، وهم الأمراء «محمد وخالد وفهد وعبدالله وبندر ومساعد وعبدالمحسن ومشعل وسلطان ومتعب وطلال ونواف رحمهم الله تعالى»، وما دار بينه وبينهم من أحاديث في التاريخ والأدب، وقد قال العقاد عن الملك عبدالعزيز «إن ابن سعود من أولئك الزعماء الذين يراهم المتفرسون المتوسمون فلا يحارون في أسباب زعامتهم وعظمتهم» ذلك مقياس العقاد في تقدير شخصيات التاريخ.
وقد صور «العقاد» شعوره في هذه الرحلة في مقال نشره بمجلة «الرسالة» تحت عنوان «في الحرم» وكان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يلتقي مع بعثة الشرف المصرية المرافقة في الرحلة أربع مرات في اليوم، وفي كل مجلس من تلك المجالس روى العقاد بأن الملك عبدالعزيز يتحدث في موضوعات حديثا ينم على ما اكتسبه صاحبه في الحياة من تجارب كثيرة، وما حباه الله به من ذاكرة قوية، وأن جلالته كان يتحدث إليهم بعبارات سهلة خالية من كل تكلف؛ فإذا أراد أن يوجه انتباه سامعيه إلى نقطة معينة في حديثه توقف عن الكلام لحظة وقال: «نعم» لشد الانتباه.. ويضيف العقاد أن الملك عبدالعزيز ليس من العظماء الذين يحبون احتكار الحديث في مجالسهم.
أما المقال الذي بعنوان «مع الملك عبد العزيز في البحر» فقد نشره العقاد في مجلة المصور فهو يصف الملك عبدالعزيز بقوله: «إذا عرفت الملك عبد العزيز ثلاثة أيام فكأنك قد عرفته ثلاث سنوات أو لازمته في أطول الأوقات؛ لأن هذا الرجل العظيم مطبوع على الصراحة ووضوح المزاج.. لم تشتمل نفسه القوية على جانب من جوانب الغموض واختلاف الحالات وتناقض العادات.. فهو في أخلاقه وأعماله يمضي على وتيرة واحدة.. وأول ما يدهشك من منظره قوه النفس والعقل والحس على السواء وهو الآن يناهز السابعة والستين ويحتفظ بجميع حواسه وقواه العضلية التي لا تتوافر للشباب في سن العشرين أو الثلاثين.. فهو منذ الصبا لا يميل إلى الإكثار من ألوان الطعام ولا يحب الدسم ولا الحلوى، يقصر غذائه في معظم الوجبات على الأرز واللحم، ويحب من الخضرة البامية على الخصوص، وقد يشرب قليلا من الماء على الطعام وربما استغنى عن شرب الماء بشرب اللبن بعد الغداء أو بعد العشاء، وكان يبكر في الإفطار ويأمر بالغداء بالساعة الثانية عشر ظهرا ولا يتأخر العشاء عن الساعة السادسة مساء، ومواعيده في النوم واليقظة منتظمة في جميع المواسم والأوقات؛ فيستيقظ قبل الفجر ويقضى نحو ساعة في التهجد وقراءة القرآن ويصلي الفجر حاضرا، ثم يستقبل بعض خاصته لاطلاعه على مهام الأمور التي تتطلب التعجيل، ومن عاداته بعد العشاء أن يصغي إلى فصول من كتب التفسير والحديث، ثم تتلى عليه أخبار الإذاعة، والملك عبدالعزيز متحدث طلق الحديث يرسل أحاديثه على السجية بغير كلفة ويعرب عن رأيه بغير مداراة، وتدور أحاديثه على الذكريات التاريخية والمواعظ الدينية والتعقيب على الحوادث الهامة والمسائل العالمية، ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وقد يروي الأبيات من الشعر ويسوق العبر من النوادر والأمثال».
وبذلك يتضح أن وصف العقاد لشخصية الملك عبدالعزيز ليس عاديا.. ولم يكتف العقاد بالوصف النثري الدقيق بل ألقى قصيدة خلال تلك الرحلة:
أسد العرين يخوض غيل الماء
يا بحر راضك قاهر الصحراء
حياه باديها وحاضرها معا
فاغنم تحية يومه الوضاء
يوم من البشرى يردد ذكره
ركب السفين مجيرة البيداء
إن الذي غمر المليك بفضله
ساق البحار إليه في البشراء
لم يقترن بالبحر عيد جلوسه
إلا لعمر زاخر ورخاء
وإذا به عبدالعزيز بطلعه
كالبدر بين كواكب الأمراء
وأرى السماء تأملت مرآتها
في الماء فانطبعت على الخضراء
أرض النبوة حين تم فخارها
خلعت عوارفها على الدأماء
ealfaide@