طلال الشريف

عصر جديد في قرارات مجلس شؤون الجامعات

السبت - 13 أغسطس 2022

Sat - 13 Aug 2022

في عام 2002م أعلنت الأمم المتحدة أن الفترة من 2005-2014م عقد التعليم من أجل التنمية المستدامة لدمج مبادئ وممارسات التنمية المستدامة في جميع جوانب التعليم والتعلم، وهو ما يعني أن دور الجامعات ليس قاصرا على التعليم لغرض التعليم بالمحافظة على المعرفة وتوليدها ونقلها للأجيال المتعاقبة، بل المعرفة والمهارة معا، ولها أدوار حيوية ومعقدة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقيادة التطور والتحول والتغيير في مجتمعاتها نحو الأفضل.

واليوم لم تعد الأدوار التقليدية لجامعاتنا بهياكلها واستراتيجياتها وممارساتها الحالية كافية لمواكبة التحولات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدفها رؤيتنا الوطنية في 2030 وما بعدها من تطلعات نهضوية تعتمد بدرجة رئيسة على دور الجامعات كمؤسسات قيادية لمشروعات التنمية الوطنية، وهو ما أدركته جامعاتنا وعملت عليه باستحياء من خلال جهودها المحدودة نحو تطوير أدوارها التنموية، ليأتي مجلس شؤون الجامعات بصفته السلطة المختصة بتنظيم شؤون الجامعات ورسم سياساتها وسن التشريعات المناسبة لها ويعزز من جهود الجامعات بإصدار سلسلة من القرارات التنظيمية والتشريعية لتمكين الجامعات ودعم استقلاليتها في ممارسة شؤونها الإدارية والأكاديمية والمالية.

حيث لاقت قرارات مجلس شؤون الجامعات ترحيب كبير بمضامينها ونتائجها المتوقعة من مختلف الشرائح وخاصة من المهتمين والمعنيين بشؤون التعليم الجامعي، قرارات تنبئ بعصر جديد لجامعاتنا الحكومية بهدف رفع مستوى أدائها الإداري والأكاديمي والمالي ومستوى فاعليتها في تحقيق تطلعات المنتسبين لها والمجتمع المستفيد من مخرجاتها وخدماتها، وجوهر هذه القرارات لا تخرج عن ثلاثة أهداف رئيسة تتمثل في تمايز الجامعات وتنوع نماذج عملها والقضاء على نمطيتها والحد من استنساخ هوياتها واستراتيجياتها وبرامجها، انفتاح الجامعات على مجتمعاتها وعلى سوق العمل وتسليمها دفة قيادة مؤسسات المجتمع، والاستفادة المثلى من الكفاءات البشرية المتوفرة في الجامعات باستنطاق كل طاقاتها الكامنة في عمليات التعليم والبحث العلمي وتنمية المجتمع، وكل قرارات المجلس دون استثناء تصب في خلق جامعات متنوعة ومتفردة في ممارساتها الأكاديمية والبحثية فضلا عن معالجة الفجوة المزمنة بين مخرجات الجامعات واحتياجات سوق العمل وتركيز البحوث وتحويلها إلى منتجات نافعة لخدمة الإنسان ورفاهيته.

وبقراءة في قرارات المجلس نجد أنها تعكس توجه وسياسات التعليم الجامعي في الحاضر والمستقبل، فالتركيز على التخصصات النوعية الصحية والتقنية والهندسية والعلمية وإدارة الأعمال بمساراتها الدقيقة من خلال رفع معدلات القبول فيها تتماشى مع التخصصات المستقبلية التي يفرضها الواقع المعاصر وتنبؤات الدراسات والبحوث حول مستقبل الوظائف في ضوء التطورات التقنية الرهيبة في العقود الأخيرة واحتياجات الإنسان السعودي لهذه التخصصات وتحقيق رغباته وطموحاته لدراسة هذه التخصصات التي حال بينه وبينها قلة المقاعد المتاحة في الجامعات، بالإضافة إلى سرعة الحصول على فرص وظيفية في هذه التخصصات، وبالمقابل وفي توازن محمود المحافظة على استمرار التخصصات الإنسانية بنسب قبول أقل لسد الاحتياجات الوطنية منها ولأهميتها في إعداد الإنسان ومساعدته على التكيف مع متطلبات الحياة المعاصرة وتحقيق احتياجاته الاجتماعية والنفسية والحد من تضخم قوائم الانتظار للحصول على وظائف في القطاعين العام والخاص.

وتحويل عدد من الكليات الإنسانية إلى كليات تطبيقية تقدم أكثر من 80 برنامجا تدريبيا، وتتشارك مع أكثر من 70 جهة تدريبية محلية وعالمية وبدرجتي علمية متوسطة ومتنوعة يعكس بقوة مستوى العمل الجاد نحو التركيز على المهارات وردم الفجوة بين مخرجات الجامعات واحتياجات سوق العمل واختصار الرحلة التعليمية للدخول إلى سوق العمل، بالإضافة إلى المرونة في منح الجامعات حرية تحويل عدد من كلياتها الأخرى إلى كليات نوعية أو تطبيقية وفق ما تراه مناسبا لهويتها وخصائصها والاحتياجات التنموية للمنطقة التي تخدمها.

والتوسع في تطبيق الشهادات الاحترافية والمهنية تحول نوعي في نمطية التعليم واستراتيجياته والانسجام مع التوجهات العالمية نحو التركيز على اكتساب مهارات المستقبل، كما أن قياس نسبة توظيف خريجي الجامعات قرار غير مسبوق في تعزيز علاقة الجامعات بسوق العمل ومواءمة برامجها الأكاديمية مع احتياجات سوق العمل ورفع مستوى فاعليتها في دعم خريجيها للحصول على فرص وظيفية وإعادة تأهيل من لم يجدوا فرص وظيفية تناسب مؤهلاتهم أو حتى لضعف مهاراتهم وإكسابهم مهارات جديدة أكثر ملائمة لاحتياجات سوق العمل.

وأخيرا سن تشريعات جديدة ومرنة في بعض اللوائح التنظيمية يعزز من استقلالية الجامعات ومكانتها وتنافسيتها، ويمكن الملتحقين بالتعليم الجامعي من الإثراء المعرفي، وتعميق ممارسات التعليم مدى الحياة، كتسريع الرحلة التعليمية للطالب باختصار عدد السنوات الدراسية، وإمكانية منح طلاب البكالوريوس الذين لم يتمكنوا من إكمال متطلبات درجة البكالوريوس درجة أقل في نفس التخصص، وإتاحة الفرصة للطلاب للحصول على أكثر من شهادة في البكالوريوس، وإقرار برامج دراسية مشتركة بين الجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية وخارج المملكة، ومنح الجامعات حرية اختيار النظام الدراسي المناسب لطبيعتها وحرية تنويع أنماط التعليم المختلفة، ومنح الجامعات حرية استحداث برامج مشتركة للدراسات العليا مع الجامعات الأخرى داخل المملكة أو خارجها، وإتاحة الفرصة لطلاب وطالبات الدراسات العليا في الالتحاق ببرنامجين في وقت واحد لنفس المرحلة، والحصول على درجة علمية أقل من البرنامج الأكاديمي الملتحقين به.

ما نحتاجه في هذه المرحلة المهمة الوعي الوطني على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع بأهمية وضرورة هذه التحولات في سياسات التعليم الجامعي وأنظمته وممارساته للاستفادة المثلى من مقدرات الجامعات ومكتسباتها، ودعم جهود الجامعات في نجاح هذه السياسات النوعية والتفاعل مع استراتيجياتها وخططها على المستوى الوطني والمجتمعات المحلية لكل جامعة، وانفتاح الجامعات على مجتمعاتها ورفع نسب مشاركة القطاعات المستفيدة من خدماتها في رؤيتها وخططها الاستراتيجية وبرامجها، وأهمية إيجابية القطاع الخاص في تفهم مسؤولياته المجتمعية والوطنية واستيعاب هذه التوجهات والسياسات وتقديم كل سبل التعاون مع الجامعات فيما يخص المشاركة الفاعلة والتدريب والتوظيف.

drAlshreefTalal@

أستاذ الإدارة التربوية والتخطيط