سالم الكتبي

زيارة بيلوسي لتايوان وحدود الأزمة

الأحد - 07 أغسطس 2022

Sun - 07 Aug 2022

لا يختلف اثنان من المختصين في العلاقات الدولية على عمق حساسية الصين تجاه ملف تايوان، والولايات المتحدة بالتأكيد تدرك هذا الأمر جيدا، وتتعامل معه وفق أهدافها ورؤيتها الاستراتيجية، وبالتالي فإن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان مؤخرا، ليست أمرا عارضا، ولا يمكن اعتباره ضمن هوامش الحركة المتاحة للمشرعين الأمريكيين، لا سيما أن بيلوسي ديمقراطية ليست حديثة العهد بالسياسة ولا العمل البرلماني، فهي أحد الأسماء المؤثرة في السياسية الأمريكية لاسيما في السنوات الأخيرة، لاسيما أنها في المرتبة الثالثة في تدرج هرم السلطة الأمريكي بعد الرئيس ونائبه.

بيلوسي معروفة مسبقا بموقفها المتشدد للغاية حيال الصين، وأعتقد أن زيارتها لتايوان تظل أخف حدة مما فعلته بيلوسي أثناء زيارتها للصين عام 1991، حين تعمدت زيارة ميدان تيانانمين الشهير، بكل ما ينطوي عليه من حساسية وتعقيدات لدى قادة الحزب الشيوعي الصيني، ناهيك عن العديد من المواقف الأخرى التي تعكس وجهة نظرها المتشددة في السياسات الصينية، ولكن لزيارتها الأخيرة لتايوان استثنائية فريدة سواء لأن الصين اليوم ليست كصين عقود مضت، ظلت خلالها بكين تتقبل السلوكيات التي تغضبها على مضض، أو لأن الولايات المتحدة نفسها لم تعد في موقع الهيمنة المطلقة على النظام العالمي بما يسمح لساساتها بفعل ما يحلو لهم تجاه الدول الأخرى، أو لأن توقيت الزيارة ذاته يبدو مستغربا للغاية حيث لا تتحمل الولايات المتحدة تصعيد التوتر مع قوة دولية أخرى، بالإضافة لروسيا، لاسيما أن كلاهما - بكين وموسكو - في حالة توافق واتفاق ولو تكتيكيا للتصدي للضغوط الغربية التي تقودها الولايات المتحدة.

زيارة بيلوسي لتايوان، التي تعد الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي على هذا المستوى الرفيع منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، تطرح العديد من علامات الاستفهام، حتى أن الرئيس بايدن قد أشار منذ أسبوعين تقريبا إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية تعتقد أن الزيارة ليست فكرة جيدة، وهذا يعني أن بايدن نفسه لا يدعم فكرة حليفته الديمقراطية بيلوسي في زيارتها لتايوان، ولكنه لم يستطع إقناعها بالتراجع عنها، وهذا بحد ذاته يمثل أحد عوامل كبح جماح رد الفعل الصيني ولجم موجة الغضب الصينية باعتبار الزيارة لا تعبر عن موقف البيت الأبيض، أو السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام.

السؤال الأهم في هذا الموضوع يتعلق بموقف الصين وحدود رد الفعل الصيني المحتمل، وهنا يشار إلى أن بكين استخدمت لغة سياسية خشنة في التحذير من إتمام زيارة بيلوسي لتايوان وذلك على أمل إجهاض الزيارة وإجبار رئيس مجلس النواب الأمريكي على التراجع عنها، حتى أن بكين لوحت بورقة جيش التحرير الشعبي في إطار خطوات الرد المحتملة على الزيارة، ولكن الواقع يقول إن الزيارة نفسها قد تحولت إلى اختبار للقوة بين واشنطن وبكين، فالبيت الأبيض الذي انتقد الزيارة لم يبذل ما يكفي من الجهد لإقناع حليفته الديمقراطية بإلغائها أو حتى تأجيلها، فيما يبدو أنها رغبة دفينة للعب على وتر المساحة التي تفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ووفق رؤية تنطلق من أن الزيارة بالأخير تصب في مصلحة بايدن الذي يريد تعظيم الضغوط على بكين من دون تحمل التكلفة السياسية لذلك، وامتلاك فرصة التنصل من مسؤولية أي أزمة محتملة في العلاقات الصينية الأمريكية في الوقت ذاته، علما بأن الدوائر الرسمية الأمريكية تتعامل مع الزيارة على الأرجح باعتبارها جس نبض استباقي لرد فعل الصين حيال أي دعم عسكري مستقبلي لتايوان.

بكين من جانبها تقرأ حسابات البيت الأبيض جيدا، وتعرف مسبقا أن بايدن ينتقد الزيارة علنا من دون أن يكلف نفسه عناء نزع فتيل أزمة محتملة يمكن أن تترتب عليها، وهذا يفسر سر غضب بكين الشديد مما انطوت عليه هذه الزيارة من مناورات سياسية، وبالتالي فالأرجح أن الصين لن تمرر هذه الزيارة من دون رد، سواء لأن الأمر بات يتعلق بهيبة الصين الدولية ومصداقية تهديداتها التي لا تصدر عادة سوى بشكل محسوب للغاية، أو لأنها ترغب هي الأخرى في إرسال رسالة قوية للمسؤولين الأمريكيين بشأن تايوان، كونها تدرك أن الزيارة بالأخير هي محطة مفصلية في مسيرة علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأن توقيتها - سواء اختير بعناية أو جاء بالمصادفة- سيكون أحد محددات نتائج التنافس العالمي المحتدم على المكانة والنفوذ في النظام العالمي المرتقب لمرحلة ما بعد «كورونا» و»أوكرانيا».

زيارة نانسي بيلوسي في قناعتي تمثل تصعيدا لمنسوب التوتر القائم بين الصين والولايات المتحدة، ولكن سقف التصعيد يبقى مرهونا ببقية المواقف والسياسات الأمريكية، وكذلك حسابات بكين الاستراتيجية بشأن الرد على الزيارة وحدود التأثير المتوقعة لكل تحرك صيني على مصالح بكين الآنية والمستقبلية.

drsalemalketbi@