ماذا وراء التحركات الإيرانية؟
السبت - 30 يوليو 2022
Sat - 30 Jul 2022
شهدت الفترة الأخيرة تطورات استراتيجية متسارعة إقليميا ودوليا، منها ما وصفه علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني الأعلى، بالترويكا «صاعدة ومقتدرة» بين بلاده وروسيا والصين، معتبرا أن الترويكا قادرة على التصدي لنزعات الولايات المتحدة والغرب «التوسعية».
الحديث السابق عن الترويكا، يأتي بعد أيام من انعقاد قمة ثلاثية في طهران جمعت بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين، حيث كان للصورة الجماعية دلالات تباينت بشأن آراء المحللين، لكن لفت نظري أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، انتقدت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لظهوره في صورة مع الرئيسين الروسي والإيراني، فلاديمير بوتين، وإبراهيم رئيسي. وقالت «إن حقيقة وجود الرئيس التركي في هذه الصورة، أقل ما يمكن قوله، تمثل تحديا لحلف شمال الأطلسي»، مضيفة أن هذا الأمر ببساطة غير مفهوم.
بلا شك أن إيران كانت تشعر بقلق ملموس إزاء جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط، وكانت تعتقد أن الجولة ستسفر عن تحالف أمني وعسكري إقليمي ضدها، ولهذا لجأت إلى تحركات مضادة لاكتساب القوة وتعزيز موقفها في مواجهة الضغوط الأمريكية، أو ما تصفه بعض التقارير بالبنية الأمنية الإقليمية الدفاعية، التي يتحدث عنها القادة الإسرائيليين، وباتت تمثل مصدر قلق كبير للجانب الإيراني، الذي يشعر بقلق كبير منذ توقيع اتفاقات إبراهيم التي لا تستهدفه مطلقا رغم أنه لا يكف عن التغول والتوغل إقليميا بما يهدد أمن واستقرار معظم دول المنطقة، وبالأخص دول مجلس التعاون وإسرائيل.
لا شك أن جزءا كبيرا من حالة القلق التي انتابت إيران في الآونة الأخيرة لا تستند إلى معطيات واقعية، فليس هناك حشد إقليمي ضدها، والدول الخليجية والعربية لا تريد بناء تحالفات لمواجهتها، ولكن الجميع يرغب في ترسيخ أسس الأمن الإقليمي سواء بالحوار مع الولايات المتحدة أو حتى بالحوار مع إيران نفسها.
الواقع يقول أيضا إنه لا قمة جدة كانت تستهدف بناء حلف شرق أوسطي على غرار «الناتو»، ولا قمة طهران أيضا يمكن لها أن تؤسس لتحالف بين إيران وروسيا وتركيا، وإن الوقت الراهن ليس وقت تحالفات ومحاور استراتيجية دائمة أو تكتيكية بل مرحلة البحث عن المصالح وترتيب الأوراق وتحقيق أقصى عوائد نفعية ممكنة من التغيرات الدولية المتسارعة.
ما سبق لا ينفي أهمية التعاون المتصاعد بين إيران وروسيا تحديدا في المجالات الاقتصادية والتجارية لدرجة أن إيران يمكن أن تزود الجيش الروسي بمسيرات قتالية لخوض الصراع في أوكرانيا، في تحول له دلالات تستحق التوقف عندها مليا، ولكن لا يجب الذهاب بعيدا في تفسير هذا التعاون وتداعياته على دول الخليج العربية، لأن كلا من روسيا والصين وتركيا لها مصالح أضخم وأكثر عمقا واتساعا مع دول مجلس التعاون، ومن الصعب أن تتخلى عن هذه المصالح من أجل بناء تحالف مع إيران في مواجهة هذه الدول.
أحد أهداف التحركات الإيرانية الأخيرة أيضا يتمثل في محاولة تعزيز موقف طهران في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وهي المفاوضات المتعثرة، التي يحاول كل طرف فيها تعزيز موقفه وكسب أوراق ضغط جديدة بشتى الطرق، وهذا ما يفسر نبرة إيران الهادئة حيال السياسات التركية في سوريا، وهو ما يجب على العرب الانتباه له جيدا لأن سوريا باتت هدفا لتقاسم المصالح بين القوى الإقليمية والدولية، وهو موقف يحتاج فيه النظام السوري إلى دعم عربي قوي وواضح للحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
ما سبق لا يعني كذلك أن تركن دول مجلس التعاون لما هو قائم من روابط ومصالح مع الصين وروسيا، فهذه الشبكة الواسعة من المصالح الاستراتيجية بين الجانبين يجب أن تتعزز وتتعمق وألا تقع دول مجلس التعاون في خطأ الولايات المتحدة وتعتمد على تاريخ علاقاتها مع هذه القوى الكبرى، فالحسابات وتوازنات المصالح تتغير وتخضع لمعايير دقيقة، وعلى العواصم الخليجية مواصلة الطريق الذي بدأته بتنويع دائرة شراكاتها الاستراتيجية والعمل على توثيق هذه الشراكات بما يضمن مصالحها الاستراتيجية على المديين القريب والبعيد.
علينا أيضا أن نتوقع خلال الفترة المقبلة المزيد من التحركات الاستراتيجية على قطعة الشطرنج الشرق أوسطية، فجزء كبير من صراع الهيمنة والنفوذ على النظام العالمي ستكون منطقتنا مسرحا له، وهو ما يضاعف من أهمية المنطقة ولكنه يفرض عليها المزيد من الحذر وتفادي الوقوع في أخطاء تعمق الأزمات الأمنية والسياسية التي تعانيها المنطقة.
drsalemalketbi@
الحديث السابق عن الترويكا، يأتي بعد أيام من انعقاد قمة ثلاثية في طهران جمعت بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين، حيث كان للصورة الجماعية دلالات تباينت بشأن آراء المحللين، لكن لفت نظري أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، انتقدت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لظهوره في صورة مع الرئيسين الروسي والإيراني، فلاديمير بوتين، وإبراهيم رئيسي. وقالت «إن حقيقة وجود الرئيس التركي في هذه الصورة، أقل ما يمكن قوله، تمثل تحديا لحلف شمال الأطلسي»، مضيفة أن هذا الأمر ببساطة غير مفهوم.
بلا شك أن إيران كانت تشعر بقلق ملموس إزاء جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط، وكانت تعتقد أن الجولة ستسفر عن تحالف أمني وعسكري إقليمي ضدها، ولهذا لجأت إلى تحركات مضادة لاكتساب القوة وتعزيز موقفها في مواجهة الضغوط الأمريكية، أو ما تصفه بعض التقارير بالبنية الأمنية الإقليمية الدفاعية، التي يتحدث عنها القادة الإسرائيليين، وباتت تمثل مصدر قلق كبير للجانب الإيراني، الذي يشعر بقلق كبير منذ توقيع اتفاقات إبراهيم التي لا تستهدفه مطلقا رغم أنه لا يكف عن التغول والتوغل إقليميا بما يهدد أمن واستقرار معظم دول المنطقة، وبالأخص دول مجلس التعاون وإسرائيل.
لا شك أن جزءا كبيرا من حالة القلق التي انتابت إيران في الآونة الأخيرة لا تستند إلى معطيات واقعية، فليس هناك حشد إقليمي ضدها، والدول الخليجية والعربية لا تريد بناء تحالفات لمواجهتها، ولكن الجميع يرغب في ترسيخ أسس الأمن الإقليمي سواء بالحوار مع الولايات المتحدة أو حتى بالحوار مع إيران نفسها.
الواقع يقول أيضا إنه لا قمة جدة كانت تستهدف بناء حلف شرق أوسطي على غرار «الناتو»، ولا قمة طهران أيضا يمكن لها أن تؤسس لتحالف بين إيران وروسيا وتركيا، وإن الوقت الراهن ليس وقت تحالفات ومحاور استراتيجية دائمة أو تكتيكية بل مرحلة البحث عن المصالح وترتيب الأوراق وتحقيق أقصى عوائد نفعية ممكنة من التغيرات الدولية المتسارعة.
ما سبق لا ينفي أهمية التعاون المتصاعد بين إيران وروسيا تحديدا في المجالات الاقتصادية والتجارية لدرجة أن إيران يمكن أن تزود الجيش الروسي بمسيرات قتالية لخوض الصراع في أوكرانيا، في تحول له دلالات تستحق التوقف عندها مليا، ولكن لا يجب الذهاب بعيدا في تفسير هذا التعاون وتداعياته على دول الخليج العربية، لأن كلا من روسيا والصين وتركيا لها مصالح أضخم وأكثر عمقا واتساعا مع دول مجلس التعاون، ومن الصعب أن تتخلى عن هذه المصالح من أجل بناء تحالف مع إيران في مواجهة هذه الدول.
أحد أهداف التحركات الإيرانية الأخيرة أيضا يتمثل في محاولة تعزيز موقف طهران في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وهي المفاوضات المتعثرة، التي يحاول كل طرف فيها تعزيز موقفه وكسب أوراق ضغط جديدة بشتى الطرق، وهذا ما يفسر نبرة إيران الهادئة حيال السياسات التركية في سوريا، وهو ما يجب على العرب الانتباه له جيدا لأن سوريا باتت هدفا لتقاسم المصالح بين القوى الإقليمية والدولية، وهو موقف يحتاج فيه النظام السوري إلى دعم عربي قوي وواضح للحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
ما سبق لا يعني كذلك أن تركن دول مجلس التعاون لما هو قائم من روابط ومصالح مع الصين وروسيا، فهذه الشبكة الواسعة من المصالح الاستراتيجية بين الجانبين يجب أن تتعزز وتتعمق وألا تقع دول مجلس التعاون في خطأ الولايات المتحدة وتعتمد على تاريخ علاقاتها مع هذه القوى الكبرى، فالحسابات وتوازنات المصالح تتغير وتخضع لمعايير دقيقة، وعلى العواصم الخليجية مواصلة الطريق الذي بدأته بتنويع دائرة شراكاتها الاستراتيجية والعمل على توثيق هذه الشراكات بما يضمن مصالحها الاستراتيجية على المديين القريب والبعيد.
علينا أيضا أن نتوقع خلال الفترة المقبلة المزيد من التحركات الاستراتيجية على قطعة الشطرنج الشرق أوسطية، فجزء كبير من صراع الهيمنة والنفوذ على النظام العالمي ستكون منطقتنا مسرحا له، وهو ما يضاعف من أهمية المنطقة ولكنه يفرض عليها المزيد من الحذر وتفادي الوقوع في أخطاء تعمق الأزمات الأمنية والسياسية التي تعانيها المنطقة.
drsalemalketbi@