أحمد خالد العطاس

التفويج المذهبي

السبت - 11 يونيو 2022

Sat - 11 Jun 2022

إن الحج يشتمل على محددات مكانية وزمانية ومذاهب دينية في شكل فريد من نوعه يجعل إدارة هذه الحشود في ظل هذه المحددات نموذجا متفردا في العالم.

الحجيج كلهم يحتشدون في نفس المشعر في نفس الوقت ثم يتحركون كلهم في نفس الوقت إلى مشعر آخر.

ولا يخفى أبدا الجهود الجبارة المبذولة من دولتنا أيدها الله لتفكيك هذه الحشود وتيسير عملية التفويج والانتقال بما تمتلكه من الخبرات العظيمة في إدارة الحشود البشرية بما ليس له نظير في العالم أجمع!

وهناك مشاريع تطويرية إنشائية كبيرة تمت وما زالت مستمرة في المشاعر المقدسة بإشراف الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.

وأحب في هذا المقال أن أطرح فكرة تطويرية تسهم في زيادة التيسير وزيادة تخفيف وتفكيك الحشود المتحركة في آن واحد، وهذه الفكرة هي عبارة عن خطة تشغيلية تكونت من مزيج الخبرة السابقة في عمل الحج مع الخلفية الفقهية فنتج ما سميته (التفويج المذهبي).

وملخص الفكرة يرتكز على استثمار التنوع الفقهي بين مذاهب الحجاج وتحويله إلى خطة عمل لتفويج الحجاج بشكل متعاقب من مشعر مزدلفة إلى منى ثم الحرم.

يعرف العاملون في الحج جيدا حساسية انتقال الحجيج صباح العيد من مزدلفة إلى منى، وتشهد هذه المرحلة كثافات عالية جدا في المسارات ثم في الدور الأول لمنشأة الجمرات ثم في صحن المطاف. وبالإمكان إذا فعّلنا التنوع المذهبي أن نفكك هذه الكثافات العالية ونوزعها على أوقات متعاقبة.

فمذهب المالكية يجيز الانصراف من مزدلفة بعد قدر حط الرحال، يعني بقدر ما يصلون المغرب والعشاء ويلتقطون الحصى (الساعة 9م تقريبا). ومذهب الشافعية والحنابلة يسمح بالانصراف من مزدلفة بعد نصف الليل. وأتباع مذهب الحنفية لا ينصرفون إلا بعد الفجر.

بناء على هذا التنوع المذهبي الجميل نبني خطة التفويج على النحو التالي:

أولا: مرحلة الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة:

1 - يتم إنزال حجاج المالكية في مقدمة مزدلفة في الطرف الأقرب لمنى.

2 - يتم إنزال حجاج الشافعية والحنابلة في منتصف مزدلفة.

3 - يتم إنزال حجاج الحنفية في مؤخرة مزدلفة في الطرف الأبعد من منى.

ثانيا: مرحلة المغادرة من مزدلفة:

- الساعة التاسعة مساء يغادر المالكية من مزدلفة إلى مخيماتهم في منى، ثم بعد الفجر يرمون جمرة العقبة.

- الساعة 12 مساء يغادر الشافعية والحنابلة من مزدلفة إلى رمي جمرة العقبة ثم مباشرة إلى طواف الإفاضة.

- بعد صلاة الفجر يغادر الحنفية إلى رمي جمرة العقبة ثم طواف الإفاضة.

بهذه الآلية ستخف الحشود كثيرا صباح العيد؛ لأنه لم يبق بمزدلفة إلا الأحناف الذين يشكلون تقريبا ربع عدد الحجاج، بينما بقية الحجيج قد تم تفويجهم على التعاقب مساء، وأيضا تم تفريغ مزدلفة تدريجيا والتخفيف عن المسارات ومنشأة الجمرات والحرم المكي.

ختاما.. أود أن أنبه على أمر مهم، وهو أن الحج عبارة عن حشود بشرية تحركها خلفيات دينية هي التي ترسم مسار تحرك الحشود، وكلما حسن استثمار التنوع المذهبي كان ذلك مدعاة لزيادة التيسير وسببا في خلخلة الحشود الكبيرة، وقد عرضت جملة من الفرص الفقهية المذهبية في كتابي (رحلة الحج) والتي يمكن استثمارها وتحويلها إلى خطط تفويج توفر مزيدا من المرونة والسلاسة في حركة حشود الحجيج.

نسأل الله أن يجعله حجا مباركا موفقا ميسرا، وبالله التوفيق.