الاتفاق النووي الإيراني واستقرار الشرق الأوسط
الأربعاء - 11 مايو 2022
Wed - 11 May 2022
بعد أن تقاطرت الإشارات والمؤشرات الدالة على التوصل إلى تفاهمات حول مجمل البنود الخلافية، ولا سيما بعد الإعلان عن «الترضية» التي تم التوصل إليها بين واشنطن وموسكو بعد أن اشترطت الأخيرة الحصول على تعهدات أمريكية مكتوبة لاستثناء تجارتها مع إيران من العقوبات الأمريكية التي فرضت على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، توارى الحديث عن الاتفاق النووي الإيراني وغابت التصريحات حول مصيره، وبرزت مجددا الشكوك في إمكانية توقيعه، ولم يعد هناك من أنباء سوى تصريحات قليلة تصدر عن الجانبين الإيراني والأمريكي للإبقاء على الموضوع في دائرة الضوء.
الموقف الإيراني الراهن يركز على اتهام الولايات المتحدة بالتباطؤ في تحديد مصير الاتفاق، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده «هناك أكثر من قضية عالقة، والولايات المتحدة مسؤولة عن تأخير الاتفاق، لأنها تتباطأ في إعطاء رد يناسب إيران»، بينما رد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في الثامن عشر من أبريل الماضي بالقول «إذا أرادت إيران رفعا للعقوبات يتخطى المنصوص عليه في الاتفاق النووي، فعليها أن تستجيب لهواجسنا التي تتخطى الاتفاق النووي وتتفاوض بحسن نية»، وهذا التصريح ينطوي على إشارة ضمنية بقلق الإدارة الأمريكية من مطالب إيرانية تقع خارج نطاق المفاوضات حول الاتفاق النووي، وهو ما يشير صراحة إلى المطلب الخاص برفع اسم الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكية. وكلا التصريحين يشيران إلى أن المفاوضات دخلت في نفق الجمود، وأن التسوية لا تزال بعيدة المنال على الأقل في ظل الظروف التفاوضية الراهنة، وربما لا تحدث، في حال إصرار إيران على المطلب الخاص بالحرس الثوري.
الواضح أن لعبة «عض الأصبع» التي يمارسها النظام الإيراني مع المفاوضين الأمريكيين لا تزال مستمرة، حيث تراهن طهران على أن عامل الوقت في مصلحتها، وليس في مصلحة الرئيس بايدن الذي يبدو بحاجة ماسة إلى إنجاز سياسي خارجي يقدمه للرأي العام الداخلي بعد سلسلة
الإخفاقات المتوالية على الصعيد الخارجي.
إحدى المعضلات التي تواجه البيت الأبيض الآن بشأن هذا الاتفاق، أن البيئة السياسية الأمريكية باتت أقل تقبلا لأي اتفاق قد يتم التوصل إليه مع إيران، حيث أثبتت الأزمة الأوكرانية أن الولايات المتحدة يمكن أن تواجه تحديات وأعباء استراتيجية كبيرة في حال تجاهلها للمخاوف الأمنية
لشركائها الخليجيين، وهي مخاوف ترتبط أساسا بإيران. ورغم أن شطب «الحرس الثوري» من قوائم الإرهاب كان يبدو قرارا مرجحا لإدارة الرئيس بايدن في بدايات الأزمة الأوكرانية، ولكن تطورات الأحداث وتنامي استياء الشركاء الخليجيين من التوجهات الأمريكية حيالهم، وهو ما
انعكس في ضعف الدعم الخليجي لخطط واشنطن للضغط على روسيا فيما يخص عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ولا سيما رفض المطلب الخاص بزيادة الإنتاج النفطي لتعويض نقص الصادرات الروسية بسبب العقوبات، قد بعث برسالة قوية دفعت الرئيس بايدن للتفكير مجددا، وربما
التراجع عن الفكرة خشية انهيار الشراكة الأمريكية مع بعض الدول الخليجية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
ما أعتقده حاليا أنه لا يمكن القطع بمصير مفاوضات فيينا؛ لأن ما يحدث في الوقت الراهن من جانب الطرفين الإيراني والأمريكي، هو ضغوط متبادلة للحصول على أقصى تنازلات ممكنة، علاوة على أن الرئيس بايدن بات أكثر ترددا بشأن «الصفقة» المحتملة بالنظر إلى تنامي استياء
الجمهوريين، الداعمين بقوة لوجهة نظر الحليف الإسرائيلي، من توقيع أي اتفاق مع إيران، وتحذيرهم المستمر من أن أي اتفاق نووي مع إيران ستنتهي شرعيته بانتهاء فترة ولاية الرئيس جو بايدن، وهناك حراك داخلي أمريكي واسع لرفض الاتفاق، ناهيك عن الغضب غير المسبوق
لشركاء وحلفاء الشرق الأوسط والخليج، بحيث أصبح الاتفاق بمنزلة مغامرة سياسية غير مضمونة العواقب بالنسبة للبيت الأبيض، بل يعتبر البعض التوقيع عليه انتحارا سياسيا للديمقراطيين الأمريكيين.
علينا التأكيد بأن تجربة إلغاء إدارة الرئيس بايدن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، والتي لم تسفر سوى عن المزيد من التأزم في اليمن ولم يخدم القرار المصالح الأمريكية ويحقق الهدف الذي تصورت الإدارة أن بالإمكان تحقيقه وهو فتح مسار تفاوضي لتسوية الأزمة اليمنية، هذه التجربة
تخيم على مطلب طهران بشأن إلغاء تصنيف الحرس الثوري، حيث يخيم على الموقف شبح تكرار الخطأ والحصول على النتائج الكارثية ذاتها، بالإضافة إلى بروز احتمالية عالية لانهيار العلاقات الأمريكية مع شركاء استراتيجيين في الخليج العربي.
ويبدو لنا أن الدور والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط بحاجة إلى مراجعة شاملة، لمعالجة الأخطاء وليس لإضافة خطأ جديد ولكنه فادح هذه المرة، والمطلوب ليس خطوة تعمق الخلاف مع الشركاء، ولكن خطوات لاستعادة الثقة ورأب الثغرات وردم الفجوات القائمة، بمعنى إعادة
التموضع الاستراتيجي الأمريكي لأن أي خطأ جديد سيكون ثمنه مكلفا للمصالح الأمريكية؛ لأن الأمر لن يتعلق فقط بالإعلان رسميا عن إطلاق يد إيران إقليميا، ولكن منح روسيا والصين فرصة ذهبية لكسب أرضية جديدة في هذه المنطقة الحيوية من دون عناء.
وفي مقابل ذلك، فإن ترحيب الكثيرين بالتغيرات الجيواستراتيجية التي يشهدها العالم بعد أزمتي «كورونا» و»أوكرانيا»، لا ينفي أهمية وجود دور قوي للولايات المتحدة وبقية القوى الغربية في إدارة شؤون العالم، لأن انحسار هذا الدور لا يخدم مصالح دول الشرق الأوسط والخليج العربي
تحديدا، لا سيما في ظل ما حدث من تغول للقوى الاقليمية بمجرد تراجع مكانة المنطقة ضمن الأولويات الاستراتيجية الأمريكية، وبالتالي قد يكون توازن القوى الدولي في إطار تعددية قطبية هو المعادلة الأنسب التي تحفظ للجميع مصالحهم وأمنهم واستقرارهم.
@drsalemalketbi
الموقف الإيراني الراهن يركز على اتهام الولايات المتحدة بالتباطؤ في تحديد مصير الاتفاق، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده «هناك أكثر من قضية عالقة، والولايات المتحدة مسؤولة عن تأخير الاتفاق، لأنها تتباطأ في إعطاء رد يناسب إيران»، بينما رد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في الثامن عشر من أبريل الماضي بالقول «إذا أرادت إيران رفعا للعقوبات يتخطى المنصوص عليه في الاتفاق النووي، فعليها أن تستجيب لهواجسنا التي تتخطى الاتفاق النووي وتتفاوض بحسن نية»، وهذا التصريح ينطوي على إشارة ضمنية بقلق الإدارة الأمريكية من مطالب إيرانية تقع خارج نطاق المفاوضات حول الاتفاق النووي، وهو ما يشير صراحة إلى المطلب الخاص برفع اسم الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكية. وكلا التصريحين يشيران إلى أن المفاوضات دخلت في نفق الجمود، وأن التسوية لا تزال بعيدة المنال على الأقل في ظل الظروف التفاوضية الراهنة، وربما لا تحدث، في حال إصرار إيران على المطلب الخاص بالحرس الثوري.
الواضح أن لعبة «عض الأصبع» التي يمارسها النظام الإيراني مع المفاوضين الأمريكيين لا تزال مستمرة، حيث تراهن طهران على أن عامل الوقت في مصلحتها، وليس في مصلحة الرئيس بايدن الذي يبدو بحاجة ماسة إلى إنجاز سياسي خارجي يقدمه للرأي العام الداخلي بعد سلسلة
الإخفاقات المتوالية على الصعيد الخارجي.
إحدى المعضلات التي تواجه البيت الأبيض الآن بشأن هذا الاتفاق، أن البيئة السياسية الأمريكية باتت أقل تقبلا لأي اتفاق قد يتم التوصل إليه مع إيران، حيث أثبتت الأزمة الأوكرانية أن الولايات المتحدة يمكن أن تواجه تحديات وأعباء استراتيجية كبيرة في حال تجاهلها للمخاوف الأمنية
لشركائها الخليجيين، وهي مخاوف ترتبط أساسا بإيران. ورغم أن شطب «الحرس الثوري» من قوائم الإرهاب كان يبدو قرارا مرجحا لإدارة الرئيس بايدن في بدايات الأزمة الأوكرانية، ولكن تطورات الأحداث وتنامي استياء الشركاء الخليجيين من التوجهات الأمريكية حيالهم، وهو ما
انعكس في ضعف الدعم الخليجي لخطط واشنطن للضغط على روسيا فيما يخص عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ولا سيما رفض المطلب الخاص بزيادة الإنتاج النفطي لتعويض نقص الصادرات الروسية بسبب العقوبات، قد بعث برسالة قوية دفعت الرئيس بايدن للتفكير مجددا، وربما
التراجع عن الفكرة خشية انهيار الشراكة الأمريكية مع بعض الدول الخليجية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
ما أعتقده حاليا أنه لا يمكن القطع بمصير مفاوضات فيينا؛ لأن ما يحدث في الوقت الراهن من جانب الطرفين الإيراني والأمريكي، هو ضغوط متبادلة للحصول على أقصى تنازلات ممكنة، علاوة على أن الرئيس بايدن بات أكثر ترددا بشأن «الصفقة» المحتملة بالنظر إلى تنامي استياء
الجمهوريين، الداعمين بقوة لوجهة نظر الحليف الإسرائيلي، من توقيع أي اتفاق مع إيران، وتحذيرهم المستمر من أن أي اتفاق نووي مع إيران ستنتهي شرعيته بانتهاء فترة ولاية الرئيس جو بايدن، وهناك حراك داخلي أمريكي واسع لرفض الاتفاق، ناهيك عن الغضب غير المسبوق
لشركاء وحلفاء الشرق الأوسط والخليج، بحيث أصبح الاتفاق بمنزلة مغامرة سياسية غير مضمونة العواقب بالنسبة للبيت الأبيض، بل يعتبر البعض التوقيع عليه انتحارا سياسيا للديمقراطيين الأمريكيين.
علينا التأكيد بأن تجربة إلغاء إدارة الرئيس بايدن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، والتي لم تسفر سوى عن المزيد من التأزم في اليمن ولم يخدم القرار المصالح الأمريكية ويحقق الهدف الذي تصورت الإدارة أن بالإمكان تحقيقه وهو فتح مسار تفاوضي لتسوية الأزمة اليمنية، هذه التجربة
تخيم على مطلب طهران بشأن إلغاء تصنيف الحرس الثوري، حيث يخيم على الموقف شبح تكرار الخطأ والحصول على النتائج الكارثية ذاتها، بالإضافة إلى بروز احتمالية عالية لانهيار العلاقات الأمريكية مع شركاء استراتيجيين في الخليج العربي.
ويبدو لنا أن الدور والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط بحاجة إلى مراجعة شاملة، لمعالجة الأخطاء وليس لإضافة خطأ جديد ولكنه فادح هذه المرة، والمطلوب ليس خطوة تعمق الخلاف مع الشركاء، ولكن خطوات لاستعادة الثقة ورأب الثغرات وردم الفجوات القائمة، بمعنى إعادة
التموضع الاستراتيجي الأمريكي لأن أي خطأ جديد سيكون ثمنه مكلفا للمصالح الأمريكية؛ لأن الأمر لن يتعلق فقط بالإعلان رسميا عن إطلاق يد إيران إقليميا، ولكن منح روسيا والصين فرصة ذهبية لكسب أرضية جديدة في هذه المنطقة الحيوية من دون عناء.
وفي مقابل ذلك، فإن ترحيب الكثيرين بالتغيرات الجيواستراتيجية التي يشهدها العالم بعد أزمتي «كورونا» و»أوكرانيا»، لا ينفي أهمية وجود دور قوي للولايات المتحدة وبقية القوى الغربية في إدارة شؤون العالم، لأن انحسار هذا الدور لا يخدم مصالح دول الشرق الأوسط والخليج العربي
تحديدا، لا سيما في ظل ما حدث من تغول للقوى الاقليمية بمجرد تراجع مكانة المنطقة ضمن الأولويات الاستراتيجية الأمريكية، وبالتالي قد يكون توازن القوى الدولي في إطار تعددية قطبية هو المعادلة الأنسب التي تحفظ للجميع مصالحهم وأمنهم واستقرارهم.
@drsalemalketbi