أحمد بن قروش

كوبا وأوكرانيا شبيهان لا يتشابهان أمريكيا

الأربعاء - 27 أبريل 2022

Wed - 27 Apr 2022

من الطبيعي أن ينال الأمن القومي لأي بلد أولوية مهمة في استراتجية ذلك البلد سواء الدفاعية أو حتى الهجومية، بل إنه يعتبر حقا سياديا يجب ألا تلام على المحافظة عليه وحمايته أي بلد؛ لذا فنحن نرى جميع الدول تولي هذا الحق والدفاع عنه أهمية قصوى وعلى رأس هذه الدول الراعية لهذا الحق والمدافعة عنه الدول الكبرى في هذا العالم التي لا ترى في رعايتها له أي غضاضة أو مثلبة، ولكن الغريب في هذا الشأن أن هذه الدول نفسها تهمل حق الدول الأخرى في القيام بما تقوم هي به والأدهى من ذلك تأويل واعتبار ممارسة الحفاظ على الأمن القومي من قبل دولة أخرى عدوان يجب أن تحاسب

عليه تلك الدولة من قبل الجميع في مناقضة تامة لسلوك واستراتيجيات تلك الدول الذي يكون أمنها القومي وحمايته مبررا شرعيا الجميع تصرفاتها ومواقفها.

وهنا يُذكرنا التاريخ الأمريكي تحديدا في هذا الصدد بأزمة الصواريخ الكوبية التي وضعها الاتحاد السوفياتي في دولة كوبا إبان سيطرته على دول أوروبا الشرقية والذي رأت فيه أمريكا انتهاك لسيادتها وخطر حتمي يهدد أمنها القومي ورأينا كيف هاجمت ذلك الوجود الصاروخي وهددت بإشعال حرب عالمية ثالثة في حال رفض الاتحاد السوفياتي سحب تلك الصواريخ من الأراضي الكوبية ونظرا لذلك التلويح أُجبر الاتحاد السوفياتي على سحب تلك الصواريخ وإعادة تموضعها.

ولكن من المفارقات الأمريكية الغريبة فيما يتعلق بحماية الدول لأمنها القومي موقفها الحالي من سعي روسيا لحماية أمنها القومي التي رأت في مواقف الدول الغربية ومعهم أمريكا من خوفها على هذا الأمن خطرا محققا يهدده وما زاد هذا الأمر سوءا سياسة القادة الأوكرانيين التي دأبت هي والغرب عموما على استفزاز القيادة الروسية من خلال القيام بترويج أن المخاوف الروسية لا مكان لها من الإعراب وأنها مجرد أعذار يرى فيه الغرب وعلى رأسه الساسة الأمريكان وسيلة فقط لمد النفوذ الروسي ومحاولة من الدولة الروسية لاستعادة أمجاد الإمبراطورية السوفياتية البائدة.

وكانت نتيجة هذا السلوك الغربي والأمريكي من الوضع الأوكراني شن الروس لحرب دامية على جارتهم أوكرانيا وهذه الحرب في نظري لم تكن خيارا روسيا بل ضرورة حتمية تسبب فيها التعنت الأوكراني المدفوع بضغط غربي وأمريكي رغم أن كل ما كانت تطالب به القيادة الروسية هو فقط بقاء الدولة الأوكرانية منزوعة السلاح وعلى الحياد وتوقفها عن السعي للانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي بحكم موقعها الجيوسياسي الذي يرى الروس ضرورة بقائه في وضع محايد حماية مما يراه الروس تهديدا لأمنهم القومي وديمومة سلامته.

ويبرز في هذا الطرح تساؤل مهم وهو لماذا ترى أمريكا أن من حقها الدفاع عن أمنها القومي كما رأيناها تفعل في حالة أزمة الصواريخ الكوبية ولا يحق للروس حماية أمنهم القومي الذي يرون في السلوك الغربي والأوكراني على حد سواء تهديدا قائما له؟

إن ازدواجية المعايير الغربية والأمريكية التي نراها حاضرة في الكثير من مواقف قادتها سلوك ينبغي أن يدان وألا يستمر فكما من حقك الدفاع عما تراه حقا لك فإن الحق ذاته ينطبق على غيرك من الدول إذا تبين أن دعوى تلك الدول مصيبة ولا غبار عليها، أما تبدل المواقف وتناقضها فهو سلوك لن يساعد على الاقتناع بمصداقية ما تقول أو ما تزعم الدفاع عنه أو حتى مصداقية اعترافك بحق غيرك في تبنيه والمحافظة عليه.

@BinGroosh507