سالم الكتبي

واشنطن وطهران: المأزق المزدوج

الأربعاء - 27 أبريل 2022

Wed - 27 Apr 2022

في ظل ما يتردد إعلاميا حول جمود المفاوضات الخاصة بإحياء الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران عام 2015، تركز التقارير على موقف إدارة الرئيس بايدن من المطلب الإيراني الخاص برفع اسم «الحرس الثوري» من قوائم الإرهاب الأمريكية.

أعتقد - شخصيا - أن البيت الأبيض لا يرفض تماما المطلب الإيراني، ولكنه يحاول التوصل إلى «صفقة» داخل الصفقة، بمعنى إعطاء طهران ما تريده مقابل الحصول على ما يتيح للرئيس بايدن تسويق «الصفقة» الأشمل الخاصة بالاتفاق للرأي العام الأمريكي، وأيضا لشركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج العربي.

تحليليا، يصعب القطع تماما بأن مطلب رفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الأمريكية يمثل معضلة للمفاوض الأمريكي، بل أعتقد أنه قد حقق انفراجة تتماشى مع التفكير الاستراتيجي للطرفين، الأمريكي والإيراني، فكلاهما يعاني وضعا صعبا في الداخل والخارج، وكلاهما يحتاج إلى «إنجاز» يقدمه لمؤيديه وحلفائه، باعتبار أن إحياء الاتفاق بحد ذاته موضع خلاف لدى الطرفين، حول الشروط وحجم المكاسب والتنازلات، وبالتالي فالصفقة تبدو بحاجة إلى «صفقة» قد تبدو أصغر ولكنها أكثر تأثيرا من الناحية الواقعية.

نظريا يبدو للجميع أن إيران التي تردد دائما أنها لم تعد تتأثر بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليها وأنها اعتادت على تأثيراتها.... إلخ، لا يمكن أن تتراجع في خطابها الرسمي والإعلامي وتشير إلى أن رفع هذه العقوبات مكسب استراتيجي كبير، وبالتالي فهي بحاجة إلى تنازل أمريكي كبير مثل رفع اسم «الحرس الثوري» من قوائم الإرهاب، فهي الخطوة التي يمكن أن ترضي قادة الحرس وتحول دون اعتراضهم على أي شروط لإحياء الاتفاق النووي، وبالتالي فهي تحافظ على تماسك النظام الإيراني على الأقل في مواجهة منتقديه في الداخل، لا سيما في ضوء تزايد موجات السخط الداخلي الناجم عن

تردي الأوضاع المعيشية وسوء الأحوال الاقتصادية.

على الجانب الآخر، قد يجد البيت الأبيض في المطلب الإيراني «الكبير» فرصة ثمينة للحصول على تنازلات مقابلة، في مقدمتها الحصول على تعهدات قاطعة بإغلاق ملف مقتل الجنرال قاسم سليماني، حيث بات واضحا أن الولايات المتحدة لا ترغب في أن تواصل إيران توجيه ضربات صاروخية للقواعد الأمريكية في العراق تحت شعار «الانتقام» لمقتل سليماني، وأعتقد أن هذا المطلب يمثل أولوية للمفاوض الأمريكي، الذي قد يطرح مطلبا آخر هو التفاوض حول البرنامج الصاروخي الإيراني ومجمل الأنشطة الإقليمية الإيرانية.

قراءة الشواهد تشير إلى أن التفاهم حول صفقة متبادلة في هذا الإطار لا يبدو مستبعدا، لا سيما في ظل حرص إدارة الرئيس بايدن على المضي حتى النهاية في مفاوضات فيينا من أجل تفادي الفشل الذي سيدفع الديمقراطيون ثمنه غاليا، ناهيك عن تجاوز اختلاف الآراء داخل الحزب الديمقراطي بل داخل إدارة الرئيس بايدن نفسها حول بناء موقف من تصنيف الحرس الثوري الإيراني، بينما يبدو الجانب الإيراني أيضا على الدرجة ذاتها من التمسك بتلابيب المفاوضات للخروج من كابوس العقوبات التي تقوض أسس الاقتصاد الإيراني رغم كل الادعاءات التي تتردد في هذا الشأن، علاوة على أن رفع اسم

الحرس الثوري من قوائم الإرهاب ليس مسألة شكلية بالمرة، بل انتصار استراتيجي كبير في ظل هيمنة هذه القوة على مفاصل الاقتصاد والدولة الإيرانية.

أعتقد أن الخطوط الحمراء للمفاوض الإيراني تقتصر على ملف برنامج الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية الإيرانية، وعدا ذلك يمكن أن يدخل ضمن بنود أي صفقة محتملة مع الولايات المتحدة، وهذا الأمر -إن تم- يمثل خسارة إضافية بالنسبة لدول الشرق الأوسط والخليج العربي، ويعني أن الولايات المتحدة تواصل التركيز على مصالحها الاستراتيجية الضيقة دون النظر لمصالح الشركاء الاستراتيجيين.

المعضلة التي تواجه طرفي مفاوضات فيينا إذن هي الكلفة السياسية للتنازلات التي سيقدمها للآخر، ولكن الخطأ الأكبر في هذا كله هو التوصل إلى تفاهمات اللحظة الأخيرة من خلال تفكيك مطالب كل طرف بحيث يحصل كل منهما على جزء من مطالبه، بمعنى أن إيران تحصل على رفع اسم الحرس الثوري من قوائم الإرهاب عدا «قوة القدس»، بحيث تخرج الأذرع الاقتصادية والتجارية من العقوبات ويتم الإبقاء على الذراع العسكري، ولكن هذا السيناريو قد يفضي إلى كوارث جديدة في ضوء صعوبة الفصل بين فصائل الحرس وأنشطته السرية للغاية، ما يعني أن الأمر كله سيكون شكليا لمجرد تمرير

وتبرير هذه الخطوة أمريكيا!

drsalemalketbi@