أحمد بن قروش

حرية التعبير وتباين معاييرها الثقافية

الخميس - 14 أبريل 2022

Thu - 14 Apr 2022

ما يجهله الكثير من مواطني الغرب عما تعيشه عامة شعوب الشرق وتحديدا قاطني الأوسط منه، دافعٌ جعلهم بعد أن سيطرت عليهم ثقافة أنهم وحدهم من يهمهم الإنسان وحقوقه والدفاع عنها والتحضر وفنونه والترويج لها، يمارسون الفوقية بشكل مقزز على نظرائهم العرب خاصة بعد أن حكمت صيرورة التاريخ عليهم أن يصبحوا في حاجة ماسة للتعامل مع هذه البلدان وحكوماتها.

ومن مظاهر الجهل الغربي الذي تم التطرق إليه أعلاه عن قرينه العربي، الجهل بالثقافة العربية التي تختلف عن ثقافتهم في الكثير من المرتكزات والمظاهر وهذا الاختلاف لا يعني بالضرورة أنه يعبر عن تخلف العرب عن ركب الحضارة والتقدم كما يحاول الغرب وأنصاره تصوير ذلك أو أنه مظهر من مظاهر الرجعية التي يجب تغييرها، وإنما هو تعبير عن قانون حياة سنّه الله منذ خلق الأرض ومن عليها؛ فالله خلقنا مختلفين في العرق والدين واللون إلى غيرها من الاختلافات، وعلينا تقبل ذلك وعدم التصادم معه كبشر، إلا أننا رغم ذلك نجد الكثير من الغربيين يصرون بجهلهم أو تجاهلهم لهذه النقطة

المهمة على دفع العرب لتبني ما يرونه هم ومن لفّ لفّهم أسس ومرتكزات ثقافية هي وحدها عنوان التقدم والتطور.

ولعل أبرز ما يتم التركيز عليه غربيا في هذا الإطار هو مسألة حرية التعبير وكيف يجب أن تشمل جميع المواضيع التي تتبناها ثقافتهم حتى لو كانت تخالف القواعد والثوابت التي تتبناها الثقافات الأخرى وتخالف كل ما تستند عليه مجتمعاتها من تفاعلات وتعاملات، وأخص بالذكر الثقافة الإسلامية وقواعدها الراسخة التي يراها جميع المسلمين قواعد يجب ألا تمس أو يتم التلاعب بها في أي سياق أو تعريف أو تحت أي شعار أو مبدأ إذا كان هذا الشعار أو المبدأ لا يتفق مع هذه القواعد ويتعارض معها فهما وممارسة مثل موضوع المثلية الجنسية أو مسألة الحجاب إلى غيرها من الأمور التي لها خصوصية

معينة تندرج تحت ضوابط فكرية وعقدية محددة لا يحق لأي شخص أو مجتمع مهاجمتها أو التعريض بها.

وما يزيد هذه المطالبات الغربية جهلا حقيقة انطباق مبدأ الكيل بمكيالين عليها عند تطبيق المجتمعات الغربية لها في الكثير من الأحيان، حيث أثبتت حقائق الواقع أن تلك المطالبات الغربية هي في حقيقتها ليست سوى مبادئ وشعارات قابلة للمنع من قبل السلطات الغربية نفسها حتى باللجوء للعنف والقوة، وأبرز ما يؤكد ذلك على سبيل المثال مظاهرات «ذوي السترات الصفراء» في فرنسا التي رأى العالم بأسره كيف تم التعامل معها فرنسيا وكيف تم توصيفها من قبل السلطات الفرنسية كما لو أنها انقلاب عسكري، وأيضا هنالك مثال آخر يفنّد مزاعم الغرب حول تبنيه لحق حرية التعبير «بشكل مطلق» والذي كان مسرحه دولة كندا حيث رأينا كيف هاجمت السلطات الكندية - وبعنف شديد - المظاهرات التي اندلعت فيها قبل فترة وجيزة في مخالفة واضحة لكل ما يدّعيه الغرب من مزاعم تقول بتبنيهم لحق الإنسان في التعبير عن رأيه أيا كانت طبيعته وأيا كان موضوعه.

إن ما يجب أن تعيه جميع المجتمعات وفي مقدمتها المجتمعات الغربية أن الاختلاف سنّة كونية، ما يعني بأن الاختلاف ضرورة بل هو أحيانا حاجة تفرضها علينا مقتضيات التواصل بين بني البشر التي يجب أن تحتوي اختلافاتهم المتعلقة بالدين والتقاليد والعادات وغيرها من الأعراف وليس إشعال نيرانها، والدليل على ذلك حقيقة أن ما نجده مقبولا في ثقافة ما نجده مرفوضا في ثقافة أخرى والعكس بالعكس ما يعني بأن من المستحيل عقلا ونقلا تعميم تعاليم ثقافة محددة على غيرها من الثقافات مهما تطورت مجتمعات هذه الثقافة علميا وعمليا وهذا ما يجب أن يدركه ويؤمن به الجميع وأولهم الغرب

BinGroosh507@