أحمد بن قروش

وسائل التواصل منابر أم أدوات؟

الاحد - 03 أبريل 2022

Sun - 03 Apr 2022

تابعت أحد البرامج الحوارية على إحدى القنوات التلفزيونية والذي أثار موضوعه نقاطا في غاية الأهمية تتعلق بوضعية وسائل التواصل من زاوية ثقافية من جهة ومن جهة أخرى وضعيتها من زاوية سياسية وكيف أصبحت هاتان الزاويتان في عصرنا الراهن تتأرجح مواقفهما بين التعريف الإنساني لحقوق الفرد في هذا العالم وبين حجب هذا الحق وحرمان الفرد من ممارسته، وذلك ليس من قبل الحكومات كما قد يتصور البعض وإنما من قبل وسائل التواصل نفسها، حيث إن الملاحظ على هؤلاء المسؤولين عن هذه الوسائل أنهم أصبحوا يتبنون بذاتهم تعريفهم الخاص لحق الوصول لهذه الوسائل ويتحكمون فيه، حيث نجدهم يمنحونه لمن يشاؤون ويحجبونه عمن يشاؤون خاصة أولئك الذين لا تتفق قيمهم ونسقهم الفكري مع رؤى هؤلاء المسؤولين الثقافية والسياسية في ابتعاد تام عن تبني أي حقوق إنسانية يرفعون لواءها ويطالبون الآخرين بالتحلي بها.

ومن أبرز مظاهر هذا التناقض الفاضح الذي أظهرته وتظهره وسائل التواصل الاجتماعي في الزاوية الثقافية ترويجها المكثف مثلا للمثلية الجنسية وكيف يقوم المسؤولون عن هذه الوسائل الذين يؤمنون بحرية ممارسة هذا النمط من الحياة في ثقافتهم بفرض تبنيه على غيرهم من الثقافات والشعوب وحتى من يعارضه من بني جلدتهم ما نتج عن ذلك قيام هؤلاء المسؤولين عن هذه الوسائل بمنع وحجب حق استخدام منصاتهم لكل من يعترض على هذا الأسلوب في الحياة وحرمانه من حق التعبير عن ذلك، حرمان ينسف بتكريسه كافة شعاراتهم الداعية للتمسك بحرية التعبير عن الرأي والمعتقد كحق أصيل من حقوق الإنسان.

أما في الزاوية السياسية فيظهر وبجلاء تام كيف تطور حال مناقضة هؤلاء المسؤولين عن وسائل التواصل لما يتشدقون به من حقوق تشمل الحق في الوصول إلى هذه الوسائل والحق في تعبير الشخص من خلالها عن أفكاره ومواقفه أيا كانت طبيعتها دون إبداء أي اعتراض أو تحفظ ولعل أبرز مثال على ذلك، مثال نعيشه هذه الأيام مسرحه دولة روسيا التي تم حرمان كامل شعبها من استخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعي من قبل القائمين على تلك الوسائل نظرا لمواقف هؤلاء المسؤولين عن وسائل التواصل من الحرب الدائرة حاليا بين روسيا وأوكرانيا في تعبير واضح عن ابتعادهم عن الحياد الذي يزعمون تحليهم وتحلي منصاتهم به وفيه أيضا تعبير لا لبس فيه عن انحيازهم التام لطرف دون طرف ما يدل على تسييسهم الكبير لحق الوصول لهذه الوسائل وحق استخدامها.

إن هذا التناقض الذي يتبناه من يديرون هذه المنصات والذين يرون فيه سبيلهم المستقيم الذي يجب ألا يحيدوا عنه ليس إلا إشارة على أن الاستمرار في هذا النهج سيرتد عليهم سلبا طال الزمان بهم أم قصر وعدم تراجعهم عنه سيدفع المتضررين من مثل هذه النهج إلى خلق منصات أخرى يستطيعون من خلالها ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم وفي توضيح أفكارهم وما تستند عليه ثقافتهم، كما أصبح البعض يحاول فعل ذلك كالرئيس الأمريكي السابق ترمب مثلا والذي أطلق منصة خاصة به بعد أن تم حرمانه من استخدام منصتيّ تويتر وفيس بوك فقط، لأنه يمتلك وجهة نظر لا تتفق مع سياسة القائمين على هاتين المنصتين ما يؤكد حقيقة أن سيطرتهم وسطوتهم الحالية لا يمكن لها الاستمرار إذا ظل هذا هو حالهم وإذا أصروا على عدم تقويم اعوجاجه وانحرافه الذي أصبح الجميع يراه قائما ومستمرا.

@BinGroosh507