عبدالله محمد الشهراني

من أجلنا لم يفطروا معنا

الخميس - 31 مارس 2022

Thu - 31 Mar 2022

أتذكر في بداية حياتي العملية داخل سور المطار، وأنا أفطر وأتسحّر في مقر العمل، في الشهر الجامع لمجلس العائلة في وقت محدد وعلى مائدة واحدة تحتضن الجميع من كبير الأسرة إلى أولئك الصائمين (نص نهار)، اجتماع ذو قيمة كبيرة ومتعة أكبر لكل فرد في الأسرة. هذه المتعة تفتقدها فئة غادرت منازلها إلى ساحات العمل، لتجلس خلف الكاونترات وبجوارها كأس الماء وصحن صغير فيه بضع تمرات، تطبع بطاقة صعود الطائرة بيد وبأخرى ترتشف الماء، وموظف آخر يمر على موظفي الكاونترات بصحن بيضاوي مليء بالمعجنات (سمبوسة، بف، عيش باللحم.. إلخ اللي فزعت به زوجته).

وفي أرض الساحة نرى رجل الصيانة وقد أنهكه الجوع والعطش، ممارسا عمله بكل مسؤولية حريصا على سلامة المسافرين رغم حرارة الجو وإزعاج المكان، فيراه الركاب من نافذة الطائرة ملوحا للكابتن بإحدى يديه بالشريط الأحمر وفي يده الأخرى كيس صغير فيه بضع تمرات.

وكابتن ومضيف يودعون أبناءهم متجهين إلى المطار لتشغيل رحلة طويلة، يتحرى فيها الكابتن موعد أذان المغرب ويأذن المضيف للركاب بالإفطار، فيفطر الكابتن خلف المقود سارحا في الأفق، والمضيف يتناول التمر ويحتسي الماء وسط المسافرين متبادلا معهم الابتسامة والدعاء. وتلك المضيفة التي لم تستطع مقاومة الدموع وهي تتذكر أبناءها وعائلتها عندما كانت تفطر معهم، وقلبها يقول في صمت «لا نكهة لرمضان بدونكم».

القائمة تطول وخصوصا لأولئك الموظفين الذين لا يراهم الركاب ولا يشعرون بهم، لكنهم عناصر أساسية في تهيئة الرحلة من دخول المسافر إلى المطار حتى مغادرته صالة الوصول. في كل بقاع الأرض هناك المجموعة لا تستمتع بالإفطار كما نفعل نحن، ومع ذلك ورغم شوقهم لسفرة العائلة إلا أنك تجدهم مبتسمين وفخورين بما يقومون به، يرون في هذه المهمة شرفا يلمسون انعكاسه في عيون المسافرين، مستمتعين بتلك العبارات التي يسمعونها منهم «كل عام وأنتم بخير، رمضان كريم، تقبل الله.. إلخ».

وتمضي الأيام وتدخل العشر الأواخر وترتفع وتيرة العمل ويزداد الحمل فتقابله لياقة عالية وأداء مضاعف، فكل مستعد وجاهز في مكانه محاولا الجمع بين العمل والأجر في تلك الليالي المباركة. ويأتي العيد وتجد أبناء هذه المجموعة يذهبون إلى مصلى العيد إما مع أجدادهم أو أعمامهم أو أخوالهم، مفتقدين وجود الأب أو الأم في تلك اللحظات السعيدة.

ما ذكر في هذا المقال ينطبق على جميع الموظفين الذين يعملون بنظام الورديات «النوبات»، والذي يتطلب تواجدهم على مدار الساعة، أقسام الطوارئ في المستشفيات، القطاعات العسكرية، الاتصالات، الكهرباء، الجمارك، الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، موظفو الفنادق، إمارة منطقة مكة المكرمة وإمارة المدينة المنورة ...إلخ.

تحية إجلال وشكر لكل من غادر منزله قبل الإفطار متجها إلى العمل، تحية إجلال وشكر لكل من لم يشهد صلاة العيد مع أبنائه، تحية إجلال وشكر خاصة لأولئك الأبطال في الحدود الجنوبية ولكل عين تحمي الوطن، فبهم بعد الله أفطرنا وصلينا العيد في أمن وأمان.

ALSHAHRANI_1400@