موفق النويصر

هل تثق وزاراتنا بالإعلام المحلي كثقة ولي العهد به؟

السبت - 19 مارس 2022

Sat - 19 Mar 2022

في كل مرة أستمع فيها لحديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لا أشعر بأن هناك فرقا بين ما يقوله في حواراته الصحفية أو خلف الأبواب المغلقة.

نفس الصراحة، والوضوح، والشفافية، والإحاطة بما يتحدث، متسلحا دوما بالأجوبة الكفيلة بتحطيم الأسئلة الصعبة.

وفي ظهوره الأخير بمجلة (ذا أتلانتيك) الأمريكية لم يكن ولي العهد خلافا لما اعتدنا عليه، حيث أجاب على جميع الأسئلة الحساسة والشائكة والمسكوت عنها، موضحا موقف «السعودية الجديدة» منها.

غير أنني في هذا المقال سأتطرق فقط لما ذكره ولي العهد عن «ملف الإعلام» و«علاقته بمستشاريه»، حيث فرّق بوضوح شديد جدا بين الإعلام المحلي والآخر العالمي، وأنا أنقل حرفيا ما قاله «أعتقد أن الإعلام السعودي يجب أن ينتقد عمل الحكومة، خطط الحكومة، أيّا كان؛ لأن ذلك أمر جيد. إنهم يفعلون ذلك بطريقة جيدة، ويناقشون عددا من القضايا، وينشرون الأفكار، ويتحدثون عن كل خطة، وعن كل استراتيجية، وعن كل سياسة تقوم بها كل وزارة، وهذا أمر جيد، ونحن بحاجة إلى ذلك؛ لأنك بحاجة إلى آراء العديد من الأشخاص، وكذلك بالنسبة لي كولي عهد للمملكة العربية السعودية، فهذا أمر جيد».

وعندما تحدث عن وسائل الإعلام العالمية أكد أنه «متى ما كتبت عن المملكة، فإن كانت حقا كتابة موضوعية، بدون أي أجندات أو أيديولوجيات، فهذا مفيد للغاية بالنسبة لنا، لقد تعلمنا من بعض الأخطاء من مثل هذا النوع من المقالات والتقارير، لذلك فإن هذا أمر جيد، نحن بحاجة لذلك».

شخصيا أفهم من حديث ولي العهد ثقته -غير المشروطة- بالإعلام السعودي، بل وحاجته له لتسليط الضوء على مكامن الخلل في منظومة العمل الحكومي، لتتمكن الأجهزة المعنية بمعالجتها وتقويمها. كذلك يُفهم من استخدامه لمصطلح «الإعلام السعودي» بأنه يقصد جميع وسائل الإعلام من تلفزيونات وإذاعات وصحف ومواقع تواصل.

ولكن عندما أنظر لتعامل الكثير من الأجهزة الحكومية ومسؤوليها مع «الإعلام»، أتساءل هل يشتركون مع ولي العهد في نظرته لهذا «الإعلام» أم لهم توصيف آخر؟!

واقع الحال أن الكثير من هذه الجهات تثمن دور «الإعلام» ومؤسساته عندما يكون «مادحا» وبالمجان، وتختزله في مشاهير التواصل الاجتماعي (الأفراد) عندما يصبح «ناقدا» أو كاشفا لخباياه، حيث يحرمونه من حصته الكبرى في كعكة الإعلان، وإبعاده عن أي قائمة تتضمن «الدفع مقابل النشر»، والعمل على تقويض سلطته بكثرة الدعاوى والقضايا، وعدم التجاوب معه إعلاميا والاكتفاء ببيانات «التواصل الحكومي» التي لا تحقق مطلب ولي العهد بـ«نقد عمل الحكومة وخططها»، وبالتالي تناقص مصداقيته تدريجيا لدى عموم المتابعين.

المؤسف أن بعض المؤسسات الصحفية وتحت ضغط الحاجة، استسلمت للأمر الواقع، وقررت السير في ركب «المطبلين» كي لا تخسر ما يُلقى لها من «فتات» إعلاني، والبعض الآخر فقد الرغبة في تأدية الدور الذي ينتظره ولي العهد، فحولت محتواها لنسخة كربونية لما يبثه مركز التواصل الحكومي دون اجتهاد، وأخيرة ما زالت تتمسك بأمل أن يقيض لهذا القطاع شخصية تجمع بين قوة تركي آل الشيخ، واستراتيجية توفيق الربيعة، وعزيمة عبدالله السواحه، تعيد له بريقه المفقود، مع عدم إغفال كل ما يقوم به وزير الإعلام المكلف الدكتور ماجد القصبي وبعض رجاله المخلصين، لإصلاح ما يمكن إصلاحه، برغم أعباء وزارته الأساسية (التجارة).

نأتي لإجابة ولي العهد الثانية حول ما إذا كان يحصل على مشورة صادقة ومباشرة من مستشاريه؟ فقال «نعم، وإن كان هنالك إمعة في مَن حولي، فيجب أن يرحل في أقرب وقت ممكن».

وأنا بدوري أسأل هؤلاء المستشارين عن رأيهم في إعلامنا المحلي، هل هو في المكانة التي يستحقها أم في مرتبة لا تليق به؟ وهل يواكب مشروع الرؤية أم مقصر حيالها؟ وهل انتهى زمن «الإعلام التقليدي» أم ما زال فيه أمل ويمكن إصلاحه وتحديثه؟

أقول ذلك لأنه منذ إطلاق مشروع رؤية المملكة في أبريل 2016، ونحن نشاهد معظم الوزارات والهيئات الحكومية وهي تتبارى على تقديم نفسها بالصورة التي تصنع هوية «السعودية الجديدة»، ما جعل ولي العهد يفاخر بها لتميزها في حواره مع المجلة الأمريكية.

في المقابل لا نكاد نسمع لوزارة الإعلام وهيئاته أي برامج بنفس «الضجيج» الذي تحدثه فعاليات وبرامج الجهات الأخرى، إذا ما استثنينا مشروع السينما، الذي لو لم تكن خلفه إرادة عليا، بطي هذه الصفحة القاتمة من تاريخنا المعاصر، لما شاهدنا صالات السينما في مدننا بالصورة التي هي عليها اليوم.

الأمر الذي يجعلني أعيد التساؤل للمرة المئة، متى ستتخلص هيئة الإعلام المرئي والمسموع من الملفات المتعثرة والمتراكمة على طاولتها؟ وما الذي يعوق إنجازها؟ وماذا لديها حيال المؤسسات الصحفية، خاصة وأن شقيقاتها الإذاعية والتلفزيونية تحظى بدعم وتمويل كامل من هيئتهما، والتي لولا هذا الدعم لما استطاعت الاستمرار في هذه السوق التنافسية.

كيف ستتعامل الهيئة فيما لو انهارت هذه المؤسسات تباعا وغابت عن المشهد؟ هل لديها البديل القادر على ملء فراغها أم ستنتظر من يملأه؟ هل لديها «خطة إنقاذ» جاهزة أم ما زالت تبحث عنها؟ وإذا كانت ترى بانتهاء مرحلة المؤسسات الصحفية، فلماذا لا تطلق عليها رصاصة الرحمة بدلا من تركها معلقة بأمل أن شمسها ستشرق من جديد.. أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات شافية ممن منحهم ولي العهد ثقته.

@alnowaisir