ولي العهد: مشاريعنا الضخمة إبداعية وإضافة جديدة للعالم ولا نسعى لتجارب مستنسخة

- المملكة يعيش فيها السنة والشيعة بمذاهبهم ولا يوجد احتكار للرأي الديني - الإصلاحات أتت من أجل بلادنا وليست إرضاء لأحد
- المملكة يعيش فيها السنة والشيعة بمذاهبهم ولا يوجد احتكار للرأي الديني - الإصلاحات أتت من أجل بلادنا وليست إرضاء لأحد

الخميس - 03 مارس 2022

Thu - 03 Mar 2022

أكد ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان أن المملكة من بين أسرع الدول نموا في العالم واقتصادها سيحقق نموا بنسبة 7% العام المقبل، مشيرا إلى أنها تتطور وفقا لمقوماتها الاقتصادية والثقافية وشعبها وتاريخها.

وقال في حديثه لمجلة ذا أتلانتيك الأمريكية «مشاريعنا الضخمة إبداعية وإضافة جديدة للعالم، ولا نسعى لتجارب مستنسخة، دولتنا قائمة على الإسلام وعمليات التحديث تراعي ثقافتنا ومعتقداتنا».

وأشار ولي العهد إلى أن المملكة يعيش فيها السنة والشيعة بمختلف مذاهبهم ولا يوجد احتكار للرأي الديني، مضيفا «هناك من يريد إفشال رؤية 2030.. ورسالتنا لهم: مشروعنا لن يفشل أبدا». ولفت إلى أن الإصلاحات من أجل المملكة وليست إرضاء لأحد.

ذا أتلانتك:

إنني أتردد على البلاد منذ عام 2019م. وفي كل مرة أصل فيها أرى تغييرا، ومزيدا من الحداثة، ومزيدا من التقدم، إننا نقترب من 2030م، وقد أصبحت البلاد مشابهة لدبي، ومشابهة أيضا بصورة بسيطة لأمريكا. هل تعتقد أن السعودية ستتغير عن حالها وتصبح مثل بقية العالم؟

ولي العهد:

إننا لا نحاول أن نكون مثل دبي أو أمريكا، بل نسعى إلى أن نتطور بناء على ما لدينا من مقومات اقتصادية وثقافية وقبل ذلك الشعب السعودي وتاريخنا. نحن نحاول أن نتطور بهذه الطريقة.

ولذا لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئا جديدا للعالم، فالكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي، فإذا أخذنا العلا على سبيل المثال، فهي موجودة في السعودية فقط، لا يوجد أي نموذج مثلها على هذا الكوكب. وإذا أخذنا أيضا على سبيل المثال مشروع الدرعية، فهو أكبر مشروع ثقافي في العالم، ويعد فريدا من نوعه.

كما أن المشروع يعد مشروعا تراثيا ثقافيا ذا طابع نجدي. وإذا رأينا على سبيل المثال مشروع جدة القديمة، فهو مشروع تطويري قائم على التراث الحجازي، وهذا يعد أمرا فريدا من نوعه كذلك، وإذا أخذنا نيوم على سبيل المثال، وذا لاين، المدينة الرئيسة في نيوم، فهي تمثل مشروعا فريدا من نوعه تم إنشاؤه وصنعه بواسطة السعودية.

إنه لا يعد مشروعا منسوخا من أي مشروع آخر موجود في أي منطقة في العالم. بل يمثل تطورا وإيجادا للحلول التي لم يتمكن أحد من إيجادها. ولنأخذ على سبيل المثال مشروع القدية في الرياض، الذي يعد أكبر مشروع ترفيهي/ ثقافي/ رياضي في العالم، حيث تبلغ مساحته 300 كم2 تقريبا، وهي المساحة التي تعتبر أكبر من مساحة العديد من دول العالم.

ويشمل هذا المشروع كذلك مشاريع ضخمة مثل: مدينة الملاهي، المشاريع الثقافية، المشاريع الرياضية، والمشاريع العقارية، وجميع هذه المشاريع تم عملها بطريقة لم تشهدها مدن أخرى مثل: أورلاندو على سبيل المثال، ولا أي مكان آخر حول العالم؛ لذا فإننا نؤكد مجددا أننا لا ننسخ المشاريع، بل نحن نحاول أن نكون إبداعيين. إننا نحاول استخدام الأموال التي نملكها في صندوق الاستثمارات العامة، والأموال التي نملكها في ميزانية الحكومة بطريقة إبداعية تعتمد على ثقافتنا وعلى الإبداع السعودي.

أعطني مثالا على أن أحد المشاريع منسوخة؟.. لا يوجد.

ذا أتلانتك:

هل يمكنكم تحديث البلاد إلى درجة تصبح فيها هوية السعودية الإسلامية أكثر ضعفا؟


ولي العهد:

جميع الدول في العالم قائمة على معتقدات، فعلى سبيل المثال، أمريكا قائمة على أساس المعتقدات التالية: الديمقراطية، والحرية، والاقتصاد الحر وغيرها، والشعب يكون متحدا بناء على هذه المعتقدات، فإذا طرحت السؤال التالي: هل جميع الديمقراطيات جيدة؟ وهل جميع الديمقراطيات مجدية؟ بالتأكيد لا. إن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار. والسؤال الأهم هو: كيف يمكننا وضع السعودية على المسار السليم، وليس المسار الخاطئ؟ السؤال ذاته يواجه أمريكا: كيف يمكن للمرء أن يضع الديمقراطية والأسواق الحرة والحرية على المسار السليم؟ لأن هذه الأمور قد تسلك المسار الخاطئ، لذا فإننا لن نقلل من أهمية معتقداتنا، لأنها تمثل روحنا، فالمسجد الحرام يوجد في السعودية، ولا يمكن لأحد أن يزيله. لذا فإننا بلا أدنى شك لدينا مسؤولية مستمرة إلى الأبد تجاه المسجد الحرام.

ذا أتلانتك:

لكن أعتقد أنك ستتفق أيضا كون أن طريقة الترويج الحالية للإسلام المعتدل هي مختلفة جدا مما كنا سنراه من شخص شاغل منصبك في عام 1983م.

ولي العهد:

مصطلح «الإسلام المعتدل» ربما يجعل المتطرفين والإرهابيين سعيدين، حيث إنها أخبار جيدة لهم إذا استخدمنا ذلك المصطلح. فإذا قلنا «الإسلام المعتدل» فإن ذلك قد يوحي أن السعودية والبلدان الأخرى يقومون بتغيير الإسلام إلى شيء جديد.

نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الأربعة الراشدين، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم أن نحترم جميع الثقافات والديانات بغض النظر عنها. وهذه التعاليم كانت مثالية، ونحن راجعون إلى الجذور، إلى الشيء الحقيقي. إن ما حدث هو أن المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم، حيث إنهم يحاولون جعل الناس يرون الإسلام على طريقتهم، والمشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية، وبذلك سنحت لهم الفرصة في نشر هذه الآراء المتطرفة المؤدية إلى تشكيل أكثر جماعات الإرهاب تطرفا، في كل من العالمين السني والشيعي.

ذا أتلانتك:

قد ذكر أشخاص في المؤسسات الدينية هنا أن هذا التطرف غالبا ما كان ناتجا عن تأثير جماعة الإخوان في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ولكن من الواضح أيضا وجود الكثير من التأثير السعودي آنذاك، حيث إن التيار المحافظ السعودي أمر حقيقي.. فإذن أنت تقول: نحن نتخلص من تأثير جماعة الإخوان الخارجي، وهذا شيء واحد، لكن ماذا عن تصرفك مع العنصر السعودي في التطرف؟

ولي العهد:

تلعب جماعة الإخوان المسلمين دورا كبيرا وضخما في خلق كل هذا التطرف، وبعضهم يعد كجسر يؤدي بك إلى التطرف، وعندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرفين، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف، فعلى سبيل المثال: أسامة بن لادن والظواهري كانا من الإخوان المسلمين، وقائد تنظيم داعش كان من الإخوان المسلمين، ولذلك تعد جماعة الإخوان المسلمين وسيلة وعنصرا قويا في صنع التطرف على مدى العقود الماضية، ولكن الأمر لا يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل خليط من الأمور والأحداث، ليس فقط من العالم الإسلامي، بل حتى من أمريكا التي بخوضها حربا في العراق أعطت للمتطرفين فرصة سانحة، كما أن هناك بعض المتطرفين في السعودية ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين قد لعبوا دورا في ذلك، خصوصا بعد قيام الثورة في إيران عام 1979م، ومحاولة الاستيلاء على المسجد الحرام بمكة المكرمة.

أما في ما يخص الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فهو كسائر الدعاة وليس رسولا، بل كان داعية فقط، ومن ضمن العديد ممن عملوا من السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى، وكانت المشكلة في الجزيرة العربية آنذاك أن الناس الذين كانوا قادرين على القراءة أو الكتابة هم فقط طلاب محمد بن عبدالوهاب، وتمت كتابة التاريخ بمنظورهم، وإساءة استخدام ذلك من متطرفين عديدين، ولكنني واثق لو أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ عبدالعزيز بن باز، ومشايخ آخرين موجودين الآن، فسيكونون من أول الناس المحاربين لهذه الجماعات المتطرفة الإرهابية، والحقيقة في الأمر هي أن تنظيم داعش لا يستخدم شخصية دينية سعودية كمثال يتبعه، ولكن عندما تموت هذه الشخصية، يبدأ عناصر داعش بعد ذلك باقتطاع كلماتهم من سياقها، دون النظر لظروف الزمان والمكان اللذين صدرت بها.

الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس السعودية، فالسعودية لديها المذهبان السني والشيعي، وفي المذهب السني توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص الترويج لأحد هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية، وربما حدث ذلك أحيانا سابقا؛ بسبب أحداث قلتها لكم من قبل، خصوصا في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، ومن ثم في أوائل القرن الحادي والعشرين، لكن اليوم نحن نضعها على المسار الصحيح كما قلت من قبل، فنحن نرجع إلى الأساس، إلى الإسلام النقي، للتأكد من أن روح السعودية القائمة على مستوى الإسلام، والثقافة، والقبيلة، والبلدة أو المنطقة، هي تخدم الدولة، وتخدم الشعب، وتخدم المنطقة، وتخدم العالم أجمع، وتقودنا إلى النمو الاقتصادي، وهذا ما حصل في السنوات الخمس الأخيرة، ولذلك في يومنا هذا، أنا لا أقول إننا قد نفعل ذلك (العودة للإسلام النقي). وربما لو عملنا هذا اللقاء في 2016م، قد تقولون: إن ولي عهد السعودية يضع افتراضات، ولكننا فعلنا ذلك، وترونه الآن بأعينكم في السعودية، تعالوا فقط وتفقدوا الوضع، وانظروا إلى فيديوهات للسعودية قبل ستة أو سبعة أعوام، فقد فعلنا الكثير، ولا تزال هنالك أمور باقية لنفعلها، وسنعمل على فعلها.

ذا أتلانتك:

في واشنطن، عندما التقينا لأول مرة، كنا نتحدث عن قوانين الوصاية ووتيرة التغيير، وأريتني مقطع فيديو على هاتفك لمجموعة رجال يطلقون بأسلحتهم في زفاف، لا أعلم ما إذا تتذكر ذلك؟

ولي العهد:

نعم أتذكر ذلك.

ذا أتلانتك:

وقلت أنت: «أتَرى، يجب أن أعمل بالوتيرة المناسبة، ولا يمكنني إنجازها بوتيرة سريعة للغاية؛ لأن هؤلاء الرجال يريدون وتيرة معينة»، لذا سؤالي هو: بعد مرور ثلاث سنوات، هل تشعر أنك تعمل بشكل أسرع الآن؟ هل تشعر بأنه لديك معارضة كبيرة من شيوخ القبائل ورجال الدين؟

ولي العهد:

أعتقد أنني عرضت عليك ذلك الفيديو؛ لأنك طرحت عليَّ سؤالا حول الديمقراطية في السعودية.

ذا أتلانتك:

نعم

ولي العهد:

السعودية دولة ملكية، أقيمت وتأسست على هذا النموذج، ولقد أخبرتكم أنه تحت هذه الملكية هناك نظام معقد يتكون من أنظمة قبلية من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وقد كنت أريد أن أوضح لكم مثالا لكيف تبدو الملكية في السعودية.

ذا أتلانتك:

إنك تقول: إنك لا تستطيع التحرك بوتيرة سريعة؟

ولي العهد:

لا، إنني أقول إنني لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاثمئة سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية، وكانوا جزءا من استمرار السعودية دولة ملكية.

من بين أفراد العائلة المالكة، هنالك أكثر من خمسة آلاف فرد من عائلة آل سعود. وأعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالملكية، وتغيير هذا الأمر يعتبر خيانة لأفراد عائلة آل سعود، وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر وانقلابا عليهم، وكل هذه المكونات تساعد على إحداث تغيير في السعودية، ولهذا فإنني لا أعتقد أنهم هم من يتسببون في إبطاء وتيرة التغيير، بل هم الأدوات التي تساعدني على القيام بالمزيد.

ذا أتلانتك:

لقد أخبرتنا المرة الماضية عن كيفية استماعك للشعب السعودي، ومعرفة رغباتهم، وما هي مصالحهم في إحداث التغيير، لذا يبدو الأمر وكأنك لم تصل بعد تماما إلى خط النهاية، ولم تنته بعد من استكمال التغيير الذي تريد تحقيقه، إلى أي درجة اقتربت من ذلك؟ وإلى درجة يختلف خط النهاية عما خططت للقيام به؟

ولي العهد:

إذا قلت لكم: إنني أرى خط النهاية، فهذا الأمر يعني أنني قائد سيئ، فخط النهاية يعتبر شيئا بعيدا، كل ما عليك القيام به هو الركض، والاستمرار بالركض بسرعة أعلى، والمواصلة في خلق المزيد من خطوط النهاية، والاستمرار في الركض.

ذا أتلانتك:

لكن هل هناك حد؟ هل سيكون بإمكاني أن أفعل هنا ذات الأمور التي يمكنني قانونيا فعلها في الولايات المتحدة؟ أم سيكون هناك حد معين؛ لأنها دولة إسلامية؟

ولي العهد:

اجتماعيا؟

ذا أتلانتك:

نعم، على سبيل المثال.

ولي العهد:

في الإسلام هناك بعض الأمور المحرمة على المسلمين، وقد حدد الله عقوبتها، وهناك أمور أخرى لم يضع الله لها عقوبة، وهذه الأمور حسابها بينهم وبين الله، أما إذا كنت أجنبيا، فلا يمكن تطبيق تعاليم الإسلام عليك، فإن كنت أجنبيا يعيش في السعودية أو مسافرا فيها، فلك الحق في فعل ما تريد، بناء على معتقداتك، أيا كانت هذه المعتقدات، ولكن وفق الأنظمة، وهذا ما حدث في زمن الرسول وزمن الخلفاء الراشدين الأربعة. فلم يطبقوا القوانين الاجتماعية على غير المسلمين، بغض النظر عما إذا كانوا مواطنين أو مسافرين عبر بلادهم.

ذا أتلانتك:

إن معرفتك المتقنة التي تتحدث بها عن الشريعة الإسلامية فريدة حقا بين حكام السعودية، والموقف الذي تتخذه يعد موقفا عصريا جدا، لكنه أيضا غير شائع بين علماء المسلمين. لذلك، هل نتوقع في المستقبل أن يهتم حكام السعودية أنفسهم اهتماما شخصيا وثيقا بمسائل الشريعة الإسلامية؟ ففي الماضي، كان علماء الدين يسيطرون على هذا المجال.

ولي العهد:

في الشريعة الإسلامية، رأس المؤسسة الإسلامية هو ولي الأمر، أي الحاكم. لذلك، فإن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل يتخذ القرار النهائي من الملك، وبهذا، فإن المفتي وهيئة الإفتاء يقدمون المشورة للملك، لكن في التعاليم الإسلامية للحاكم القرار النهائي، وقد بويع على ذلك، وكلمة الفصل هي لملك المملكة العربية السعودية؛ إنهم يعلمون أن باستطاعتهم النقاش، فعليك أن تناقش، وعليك أن تشرح، وعليك أن تستند على الأدلة من تعاليم الإسلام، ومن زمن الرسول، ومن زمن الخلفاء، وعليك أن تتدبر القرآن، وعليك أن تتأمل الحديث حتى توضح مقصدك، ومن ثم عليك أن تكون متأكدا من أن الشعب مستعد لهذه الفتوى ويؤمن بها، وعندئذ يتخذ الملك القرار، ولكن إذا استخدمت السلطة بصفتك الملك واتخذت القرار، دون المرور بمراحل هذه العملية، فإن ذلك قد يخلق صدمة في الشارع، وصدمة للشعب.

ذا أتلانتك:

لقد سمعتك تتحدث عن أهمية الحديث المتواتر، على سبيل المثال، وهذا المستوى من مناقشة الشريعة الإسلامية ليس أمرا نسمعه عادة من ولي عهد أو ملك؟

ولي العهد:

هذا هو المصدر الأساسي للانقسام في العالم الإسلامي، بين المسلمين المتطرفين وبقية المسلمين، فهنالك عشرات الآلاف من الأحاديث، والغالبية العظمى منها لم تثبت، ويستخدمها العديد من الناس كوسيلة لتبرير أفعالهم، فعلى سبيل المثال، تنظيما القاعدة وداعش يستخدمان الأحاديث النبوية الضعيفة جدا، والتي لم تثبت صحتها، لإثبات وجهة نظرهم.

لذلك، يخبرنا الله بالقرآن أن نتبع تعاليم الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان الناس يدونون القرآن، ويكتبون أحاديث الرسول، وقد أمرهم الرسول بعدم تدوين الحديث في بداية الإسلام؛ حتى لا يختلط الحديث بالقرآن؛ لذلك علينا التأكد من صحة الأساس، وعندما نستدل بأحاديث الرسول علينا أن نكون حذرين جدا، وقد حددت الأحاديث في ثلاثة جوانب.

أولًا: ما نسميه المتواتر، وهذا يعني أن العديد من الناس سمعوا من الرسول عليه الصلاة والسلام، والقليل من الناس سمع من هؤلاء العدة، وقليل من الناس سمعوا ذلك من أولئك القلائل، وقد تم توثيق ذلك، وهذه الأحاديث قوية جدا، وعلينا أن نتبعها، وعددها قرابة 100 حديث.

وثانيًا: ما نسميها الأحاديث الآحاد، وهي ما سمعه شخص عن الرسول، وسمعه شخص آخر عن الشخص الأول، حتى نصل لمن وثقها، أو سمعها قلة من الناس عن الرسول، وسمعها شخص واحد من هؤلاء القلة، لذلك إذا كان هناك شخص مسند واحد، فإننا نسميه خبر الواحد، وهذا يسمى الآحاد، وعلينا تمحيص ما إذا كان ثابتا، ويتماشى مع تعاليم القرآن، أو يتوافق مع تعاليم المتواتر، ويتماشى مع مصلحة الناس، وبناء على ذلك يتم استخدامه أم لا.

وثالثا: ما يسمى الخبر، وهو ما سمعه شخص عن الرسول، ومن بين طبقات السند أسماء غير معروفة، وهذه الأحاديث عددها عشرات الآلاف، والتي لا يجب عليك استخدامها مطلقا، إلا في حالة واحدة: إذا كان لديك خياران، وكلاهما جيد جدا، فيمكنك استخدام حديث الخبر في هذه الحالة، بشرط أن يكون في مصلحة الناس.

وهذا ما نحاول تحديده ونشره؛ لتثقيف العالم الإسلامي حول طريقة استخدام الحديث، وهذا سيحدث فارقا كبيرا، ويحتاج إلى الوقت، ونحن في المراحل النهائية، وأعتقد أنه يمكننا إخراجها ربما بعد عامين من اليوم، إنه مجرد توثيق للحديث بالطريقة الصحيحة؛ لأن الناس عندما يقرؤون كتبا مختلفة لا يمتلكون طريقة التفكير أو المعرفة لربطها، ونحن ببساطة نقول: إن هذه مثبتة.

ذا أتلانتك:

سؤالي إذن، بما أنك قادر على الحديث عن هذا الأمر بمثل هذه السلاسة والمعرفة، فلماذا تحتاج إلى مفتٍ؟ بإمكانك فعل ذلك بنفسك.

ولي العهد:

لأن مهمة المفتي هي الإجابة على الأسئلة اليومية للناس، فمثلا: إذا أكل شخص في نهار رمضان وأراد أن يعرف ماذا يفعل، هل أذنب أم لا، ثم أراد الاتصال بمن يجيبه على ذلك، فهذه مهمة المفتي، وهذا يستدعي التنظيم، وأن يكون لديك تفويض من الحكومة، ولهذا فإن هدف الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء هو الإجابة على أسئلة الناس بشأن احتياجاتهم.

ذا أتلانتك:

هل لي العودة إلى ما قلته سابقا؟ بأن الأمر متروك لله ليحكم في معصية الإنسان، ولكن السعودية تستخدم عقوبة الإعدام على نحو متكرر، وتتعرض لكثير من الانتقادات، كما أن لديكم عقوبة قطع اليد، وعقوبات أخرى تفرضها الشريعة الإسلامية، فهل كل هذا يعني أنك تريد التخلص من هذه العقوبات؟

ولي العهد:

فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، لقد تخلصنا منها جميعا ما عدا فئة واحدة، وهذه الفئة مذكورة في القرآن، ولا يمكننا فعل أي شيء حيالها، حتى لو رغبنا في فعل شيء ما؛ لأن فيها قول صريح، فإذا قتل أحد شخصا آخر، فإن لعائلة المقتول الحق - بعد الذهاب للمحكمة - في المطالبة بقتله، ما لم يعفوا عنه. أو إذا كان شخص يهدد حياة كثير من الناس، فهذا يعني أنه يجب أن يعاقب بالإعدام، وهذا نص عليه القرآن، بغض النظر عما إذا كنت أحب ذلك أم لا، فليس لدي القدرة على تغييره.

ذا أتلانتك:

لكن يمكن وضع بيئة تشجع على المزيد من التسامح.

ولي العهد:

هذا ما نقوم به، وإذا كان لديك متسع من الوقت، فبإمكاننا أخذك في جولة إلى كل المحافظات، وإذا ذهبت إلى مبنى المحافظة، ستجد إدارة تعمل فقط على هذه المسألة، وإذا كان هناك عقوبة إعدام، فلن تنفذ في اليوم التالي، بل بعد ستة أشهر أو حتى عام؛ لإعطاء العائلة التي فقدت فردا مقتولا الوقت ليهدؤوا، ويتفكروا بتمعن، ونسبة عالية من الإعدامات يتم إلغاؤها بناء على هذه الأنواع من التسويات؛ لذلك نحن نبذل قصارى جهدنا في هذا الشأن، وسنبذل المزيد حيال ذلك، أما عقوبة الجلد التعزيرية فقد تم إلغاؤها تماما في المملكة العربية السعودية، ولم يعد هناك أي عقوبة للجلد، فقد ألغيت 100%، والمشكلة الوحيدة التي نحاول حلها هي التأكد من عدم وجود عقوبة إلا بقانون، وهذا ما نعمل عليه.

إذن، هناك عدد قليل من العقوبات التي ترجع للقاضي، وهذا ما نناقشه ونسعى لإيقافه في العامين أو الثلاثة أعوام القادمة.

ذا أتلانتك:

موضوع ذو صلة، كما تعلم، تقول وكالة المخابرات الأمريكية: إنه بناء على ما يعتقدون ودراستهم للحالة، أنك أمرت بقتل خاشقجي أو اعتقاله، ما هو ردك على هذا الاستنتاج؟

ولي العهد:

من المؤلم رؤية أي شخص يقتل دون وجه حق، لذلك، حتى لو كان الشخص يستحق عقوبة الإعدام أكثر من أي شخص آخر في العالم، فيجب أن يخضع للنظام القضائي، ويجب أن يكون له الحق في الدفاع عنه نفسه، إن ما حدث يعد أمرا مؤلما، ونتمنى ألا يحدث لمواطن سعودي أو لأي مواطن في العالم بأسره، وذلك كان فشلا ذريعا في النظام، وقد بذلنا قصارى جهدنا لإصلاح النظام، والتأكد من عدم حدوث مثل ذلك مرة أخرى، كما اتخذنا إجراءات مشابهة لما قد تتخذه أي حكومة منصفة، حيث أحلنا أولئك الأشخاص إلى التحقيق، ومن ثم إلى المحكمة، وبعد ذلك قررت المحكمة عقوبات مختلفة عليهم، وهم يواجهون تِلك العقوبات، وهذا ما حدث عندما ارتكب الأمريكيون أخطاء في العراق أو أفغانستان أو غوانتنامو، فأنتم اتخذتم الخطوات الصحيحة، وكذلك فعلنا نحن.

ذا أتلانتك:

لكنك تقول: إنه لا علاقة لك بهذا الأمر؟ولي العهد:

لماذا أقوم بذلك؟ إنه أمر واضح.

ذا أتلانتك:

لقد تحدثنا عن هذا من قبل، وقلت شيئا عن هذه الحادثة برمتها، والجدل حولها، وأنها آلمتك حقا.ولي العهد:

قطعا، لقد آلمتني كثيرا، وآلمت السعودية من ناحية «المشاعر».

ذا أتلانتك:

من ناحية «المشاعر»؟

ولي العهد:

لقد لامونا. أتفهم الغضب، خاصة بين الصحفيين، وأتقبل مشاعرهم، ولكن نحن أيضا لدينا مشاعر وألم هنا، فنحن نشعر أننا لم نعامل بالطريقة الصحيحة، أشعر أنا شخصيا أن قوانين حقوق الإنسان لم تطبق علي، حيث تنص المادة الحادية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته، وأنا لم أنل هذا الحق، لذلك كيف تتحدث معي عن حقوق الإنسان بدون أن تتعامل معي وفقا للمادة الحادية عشرة من إعلان حقوق الإنسان؟ إنه أمر غير منطقي، وشعور مؤلم أنه تم التعامل معنا بهذه الطريقة، ولكن في ذات الوقت نتفهم تلك المشاعر، ولكن السؤال الأكبر بالنسبة لي هو: لقد قتل سبعون صحفيا تقريبا حول العالم تلك السنة، هل يمكنك أن تسميهم لي؟ لا؟ إذن شكرا جزيلا، وهل فعلا هذا إحساس بزميل صحفي؟ أم إنه مصمم ضدنا، وضدي أنا؟ إذا كان فعلا إحساس بزميل صحفي، إذن أعطني أسماء الصحفيين السبعين الذين قتلوا تلك السنة.

ذا أتلانتك:

إذن لماذا تظن أن هذه القضية تلقت كل هذا الاهتمام؟

ولي العهد:

لأن هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا من أن مشروعي، مشروع السعودية اليوم رؤية 2030 يفشل، ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبدا، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله، يمكنك إبطاؤه بنسبة 5%، هذا أكثر ما تستطيع فعله، ولكن أكثر من ذلك لا يستطيع أحد فعل شيء، ولا أريد أن أوجه اتهامات لأحد، فهناك مجموعات قليلة يستطيع أي شخص يمتلك معرفة جيدة أن يحدد الصلة بين تلك المجموعات في الغرب، والمجموعات في الشرق الأوسط، الذين لديهم مصالح في أن يرونا نفشل.