أحمد بن قروش

الحرب الروسية الأوكرانية قراءة وتحليل

الخميس - 03 مارس 2022

Thu - 03 Mar 2022

تستعر هذه الأيام نيران حرب ضروس بين طرفين ليسا حليفين تقليديين لنا، ولكن هذا لا يمنع أن نراقب حربهما بعين المتدبر والمتفكر وكذلك بعين المتعظ من ظروفها وملابساتها ونتائجها المحتملة، علما بأن المنتصر فيها لن يكون بالضرورة على حق وكذلك المهزوم فيها لن يكون بالضرورة على باطل؛ فروسيا التي هي من أشعلت فتيل هذه الحرب ضد أوكرانيا التي حفزت بسلوكها وتصريحاتها روسيا على شن هذه الحرب ضدها بناء على قناعة خاطئة تبنتها، تؤمن هذه القناعة بأن الغرب من خلال مواقفه المتشنجة والمستفزة للجانب الروسي سيشارك فعليا معها بالرجال المعززين بالمال والعتاد في هذه الحرب حال نشوبها إلا أن الواقع كذب هذه القناعة الأوكرانية حين اندلعت نيران الرصاص والقذائف الروسية وانهمرت على أوكرانيا كالمطر، حيث وجد الأوكران أنفسهم فرادى بعد أن اتضحت المواقف الغربية الحقيقية حول طبيعة مشاركتها في هذه الحرب والتي اقتصرت بشكل عام على الدعم المالي والإعلامي واللوجستي لهم دون أن تترجم بتدخل فعلي بالجند والعتاد كما كانت تظن وتأمل القيادة الأوكرانية ممثلة في رئيسها زيلينسكي.

وحتى نفهم سر اندلاع هذه الحرب دعونا نعد قليلا إلى الوراء لدراسة الدوافع المباشرة التي جعلت الروس يقدمون على هذه الخطوة من جانب وطبيعة التفاعل الأوكراني مع هذه الدوافع، من جانب آخر كي نتمكن من التنبؤ بالنتائج المترتبة على اندلاع هذه الحرب.

لطالما اعتبر الروس أوكرانيا امتدادا طبيعيا لهم سواء أثناء عهد القيصرية الروسية أو حتى الشيوعية السوفييتية، لذا شكل انفصالها عن روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي هاجسا روسيا عميقا زاد من عمق هذا الهاجس رغبة القيادة الأوكرانية الحالية في التقرب أكثر من الغرب من خلال طلبها الانضمام لحلف الناتو الغريم التقليدي لروسيا، وما زاد الطين بلة بالنسبة للقيادة الروسية رغبة الغرب في تمركز صواريخ على الأرض الأوكرانية، الأمر الذي رأت فيه القيادة الروسية تهديدا مباشرا لها ولنفوذها سواء في أوكرانيا أو في الدول الأخرى المحاذية لها فدفعها ذلك لمطالبة القيادة الأوكرانية بالتخلي عن هذه الطموحات والبقاء على أقل تقدير في وضع الحياد، إلا أن القيادة الأوكرانية تمسكت بتلك الطموحات يحثها على ذلك الدعم اللفظي الغربي لها واستفزازه المتصاعد للروس بشكل جعل الروس يتخلون عن مبدأ الحوار كوسيلة لحل هذه الأزمة ويفضلون عليها التدخل العسكري المباشر.

وهنا ينتقل الحديث إلى طبيعة الموقف العربي المطلوب تجاه هذه الحرب وأطرافها والذي يتمثل جوهره في أهمية البقاء على الحياد في هذه المرحلة، وخاصة أن الواقع يقول بأن لا ناقة لنا ولا جمل في هذه الحرب، ومن قصر النظر أن يتم التدخل فيها لسببين رئيسيين، أولا هذه الحرب بعيدة عنا جغرافيا ما يجعلها لا تتسبب في وجود أي حساسية أو مخاوف حدودية من تبعات قد تطال الإقليم العربي بشكل مباشر، وثانيا العرب وأخص بالذكر دول الخليج ستجد في حيادها هذا مكاسب اقتصادية جمة ومكاسب سياسية معتبرة، وهذا ما بدأنا نلاحظه حيث بدأنا نلمس هذه الأيام وجود تدافع غربي واضح نحو دول الخليج، والسعودية على وجه خاص في مسعى للحصول على ضمانات اقتصادية تعوض تغييب الدول الغربية للدور الاقتصادي الروسي بعد أن قامت بفرض عقوبات اقتصادية متعددة عليه، والتي من شأنها أن تنعكس سلبا على الأسواق العالمية وهذا الحال سيمنحنا فرصة أكبر لإظهار مدى قوة ومتانة دورنا المحوري الذي يجب أن يدركه الغرب قبل غيره ومدى حاجته لهذا الدور، إضافة إلى أن من شأن هذا الحال أن يجعل الكثير من السياسات الغربية نحو الإقليم العربي والخليجي والسعودي على وجه الخصوص تتغير نحو توجه أكثر إيجابية وأكثر احتراما.

أخيرا إن ما يجب أن نستفيده مما يحدث في تلك الحرب وكذلك جميع إرهاصاتها السابقة لاندلاعها واللاحقة له هو ظهور مدى أهمية الاعتماد على النفس وعدم الارتماء في أحضان الغير والتسليم الكامل والانقياد التام لفكرة أن هذا الغير سيفعل كل ما نتمناه ونأمله من أجل نصرتنا والدفاع عن حقوقنا، حيث إن هذه الفكرة التي تغيب عنها العقلانية ودراسة الواقع كما هو من الممكن أن تنتج عنها خسائر فادحة لا يعوضها الدعم اللفظي أو في أحسن الأحوال الدعم المالي والإعلامي الذي قد يوفره هذا الغير لنا، وهذا ما يجب أن يجعلنا نؤمن بأن الاعتماد على النفس هو الركيزة الأولى في الدفاع عن النفس، الأمر الذي يحتم علينا تعزيزه وتقويته وإظهار مدى صلابته وقوة شكيمته حتى يكون عاملا رئيسيا يردع أي محاولات أو رغبات تسعى للنيل منا وتخريب ما ننعم به من أمن وأمان.

BinGroosh507@