عبدالله محمد الشهراني

طائرة الدرون والمستقبل المفتوح

الأربعاء - 16 فبراير 2022

Wed - 16 Feb 2022

الإبداع في مجال الطيران ما زال يافعا، فمنذ أن حلق الأخوان رايت عام 1903م لم تتوقف تجارب الاختراع والتطوير، لكنها ومن وجهة نظري محدودة مقارنة بالفترة الزمنية والصناعات الأخرى، أما في السنوات الخمس الأخيرة فمجال صناعة الطيران أصبح كحال بقية الصناعات، ابتكارات وتحسينات كثيرة وسرعة في الإنتاج، ونرى ذلك جليا في طائرات الدرون (drone)، وهي نوعية من الطائرات التي تطير بدون طيار، يتم التحكم بها عن بعد، وهي قديمة من ناحية الفكرة والتصنيع، إذ تم استخدامها أول مرة في إنجلترا عام 1917م، ثم بدأ استخدامها في عمليات التجسس أثناء الحروب، وكان أول استخدام عسكري لها في عام 1960م، والآن نجد قرابة 400 شركة في العالم تتنافس في تصنيعها وتطويرها.

تعتبر طائرة الدرون نقلة نوعية وتطورا مذهلا وفائدة كبيرة للبشرية، إذ أصبح استخدامها لا يقتصر على المجال العسكري فقط، بل امتد إلى الزراعة لتراقب الطائرة الإنتاج وتطرد الحيوانات التي تهاجم المحاصيل ومهام أخرى تخص الري والسماد. ونجدها ضرورية في عالم التصوير السينمائي والنقل المباشر وتغطية الأحداث، حيث تصل إلى مواقع لم تكن تستطيع الكاميرا أن تصل إليها من قبل. وتلعب دورا مهما في البناء والتشييد، فهي تستطيع أن تراقب عملية البناء اليومي لمشروع ما، وتصدر له التقرير الخاص به، ويمكنها أيضا إجراء الفحوصات الدورية للأبراج العالية والجسور الطويلة، وأما عن الرفع المساحي فقد تفوقت الطائرة الدرون على الطريقة التقليدية بفارق كبير، فالمساحة التي كانت تقاس وتحدد بالطريقة التقليدية وتستغرق قرابة الشهر أصبحت بالدرون تستغرق 6 ساعات، والمساحات الكبيرة التي تستغرق مدة اثنى عشر شهرا لا تحتاج الدرون لأكثر من 3 أيام لرفع مساحتها.

ومؤخرا بدأ استخدام الدرون في مجال الصحة، إذ شرعت بعض الدول في استخدام الطائرة في الحالات الطارئة كالإسعاف، وخصوصا في الأماكن المزدحمة، حيث تصل الدرون إلى الحالة حسب الإحداثيات المرسلة لها، مصطحبة معها الدواء ومجهزة بمكبرات صوت، ليتمكن الطبيب من مكتبه التواصل مع الشخص المرافق ليطلب منه إجراء اللازم للمصاب.

أما عن مستقبل الدرون، ففي ولاية كاليفورنيا تجد الجنود يرتدون الملابس البسيطة متجهين إلى مركز وزارة الدفاع، ملتقطين أجهزة التحكم بطائرات الدرون التي تخوض معارك في أنحاء متفرقة من العالم، وحين انتهاء الدوام (الوردية) يستقلون سياراتهم متجهين إلى أسرهم! حروب تدار عن بعد! وجندي غير مضطر للذهاب إلى ساحة القتال (وكأنها لعبة في جهاز سوني بلايستيشن)!

وقريبا سوف تقتحم الدرون مجال البريد والشحن، ففي تجربة رائعة لهيئة البريد الفنلندي ولمدة 4 أيام، تم نقل الطرود التي وصل وزن بعضها إلى 3 كجم بواسطة الدرون بين العاصمة هلسنكي وجزيرة سومينلينا على بعد خمسة كيلومترات، ولم تحدث أي مشاكل خلال التجربة إلا أن التسليم لم يكن دقيق جدا بالمتر المربع.

وبالنسبة للشحن فقد أعلنت شركة أمازون عن مشروعها الكبير، والذي سيمكّنها من شحن البضائع من المستودع إلى العميل مباشرة، عن طريق استخدام طائرة الدرون، مشروع سوف يساهم في تقليل التكاليف وزيادة المبيعات، ومقلصا للوقت بشكل كبير.

أما بالنسبة لآخر التطورات في هذه الصناعة، فقد قامت جامعة جونز هوبكينز الأمريكية بتطوير الدرون بحيث يمكنها الاختباء 60 مترا تحت الماء لعدة شهور، وأن تطير مرة أخرى بدون أي مشكلة. ومن ناحية أخرى تم تصنيع طائرة درون بحجم العملة المعدنية، وأترك لمخيلتكم تصور المجالات التي يمكن استخدام هذا الحجم فيها، ومستقبل صناعة هذا النوع اقتصاديا.

هذا النوع من الصناعة يقابله تخوف مبرر من قبل الحكومات، ويمكن اختصارها إلى 3 مخاوف، الأول استخدام هذا النوع في تنفيذ عمليات إرهابية، والثاني سلامة الملاحة الجوية، والثالث انتهاك الخصوصيات وعمليات التجسس، إضافة إلى عامل التكلفة البسيط والذي يزيد من احتمالية حدوث تلك المخاوف.

تقول الدراسات إن طائرات الدرون سوف تملأ السماء بحلول عام 2030م، وأقول «كلها 5 سنوات وحنشوف هذه الطائرات تحلق فوق رؤوسنا دون استغراب كحال الحمام والعصافير».

ALSHAHRANI_1400@