محمد علي الحسيني

الحب ومفهومه في الرؤية الدينية

الاحد - 13 فبراير 2022

Sun - 13 Feb 2022

تعصف بالعالم أحداث وتطورات غير مسبوقة من خلال تصاعد غير مسبوق لحمى التطرف الديني واليميني الذي رافقه إرهاب دموي بات يلقي بظلاله السوداء رويدا رويدا على مختلف المناطق في العالم ولا سيما بعد الهجمات الإرهابية المتعددة والمتنوعة، وذلك ما يشکل خطرا وتهديدا غير عادي من الضروري جدا أن يكون هناك عمل وجهد دوليان مشتركان من أجل کبح جماح هذا التهديد وإيجاد سياق ونهج إنساني حضاري يدعو ويحث للتقارب والمحبة والتعاون والألفة.

التقارب الملح

اليوم، وفي ظل التهديدات المحدقة بالعالم، وتزايد لغة العنف والقسوة وترافق ذلك مع طابع ديني (والدين في حقيقته براء من ذلك)، فإن التأکيد مجددا على قضية التقارب بين أتباع الأديان صار ملحا أکثر من أي وقت آخر وخصوصا بين أتباع الديانات السماوية الثلاث اليهودية - المسيحية - الإسلام والسعي من أجل إيجاد القواسم المشترکة والجامعة بين الأديان والعمل والسعي المشترك من أجل الحد من أية ظواهر أو مظاهر تدعو للتباغض والتباعد والتنافر والمواجهة بين الأديان الثلاثة أو باسمها، ولأن الأديان الثلاثة مصدرها ونبعها هو الله عز وجل، فإن الذي لا شك فيه أبدا أنه يمكن إيجاد أکثر من أرضية مناسبة للتقارب والتفاهم ما بين الأديان ولا سيما لو أشرف على الجهد رجال دين مخلصون يضعون مصلحة الإنسانية ومصلحة العالم أجمع فوق أية مصلحة أخرى، وإن الذي لا شك فيه أبدا هو أن أية ديانة لا تدعو لكراهية العالم وفنائه من أجل استمرار وبقاء ذلك الدين.

الأديان براء من الإرهاب

المتطرفون والإرهابيون وأولئك الذين لهم مصلحة في إظهار الأديان معادية للإنسانية ويزعمون بأنه تنعدم فيها المحبة والألفة والتسامح، فإن هناك الكثير من الأدلة والقرائن الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تثبت خلاف ذلك تماما، بل إن ما جاء في سورة قريش: (لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، يثبت أن الإسلام دين سماوي كاليهودية والمسيحية ضد إرعاب وإرهاب وتجويع الشعوب، ذلك أن الله تعالى في هذه السورة الكريمة، يستشهد بالألفة أي المحبة والتقارب بين الناس کرمز ونموذج إيجابي يبارکه ويحث عليه، وفي نفس الوقت يطالب عز وجل الناس بعبادته وهو الذي «أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، أي وفر لهم العيش والأمان، وقطعا إن الله تعالى الذي يوفر الرزق للدواب ولكل الكائنات الحية والبشرية جمعاء بمن فيهم من کان مٶمنا به ومن لم يكن مٶمنا به، ولذلك فإن الذين يقومون بإرعاب الناس وتخويفهم وتجويعهم وابتزازهم على أساس ديني فإن الأديان براء منهم ومن تلك الأفعال تماما.

الأديان تدعو للمحبة والتسامح

المحبة والتسامح والوسطية والاعتدال في الأديان، ليست أمرا اعتباطيا أو طارئا ذلك أن هناك تأکيدات من السنة النبوية ومن القرآن الكريم نفسه، حيث تقول آية في سورة آل عمران: (قل إن کنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)، ومن هنا فإن ترکيز الآية الكريمة على ما يتعلق بالمحبة في موقعين، يدل على أهمية مفهوم الحب والمحبة في الإسلام خصوصا عندما يتم الربط بين المحبة والله تعالى، وفي نفس السياق نجد الحديث النبوي الشريف الذي يٶکد وبصورة واضحة وحاسمة على ماهية وجوهر الدين الإسلامي عندما يقول الرسول الأکرم عليه السلام (الدين هو الحب والحب هو الدين)، ومن هنا فإن الإسلام کما نرى يٶکد على المحبة ويدعو لها وهو بذلك يخالف مزاعم المتطرفين والإرهابيين.

الدعوة للمحبة لم تقتصر على الإسلام فقط وإنما نجد ذلك أيضا في المسيحية، حيث جاء في الكتاب المقدس: «أکرموا الجميع. أحبوا الأخوة. خافوا الله، أکرموا الملك»، وکذلك: «أما الآن فيثبت: الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاث ولكن أعظمهن المحبة» أو: «المحبة لا تسقط أبدا»، أما في العهد القديم، فقد وردت أيضا نصوص تدعو للمحبة وتحث عليها نظير: (البغضة تهيج الخصومات، والمحبة تستر کل الذنوب)، وکذلك: (أکلة من البقول حيث تكون المحبة، خير من ثور معلوف ومعه بغضة)، أو (وتطلب التأديب هو المحبة والمحبة حفظ الشرائع ومراعاة الشرائع ثبات الطهارة)، ومن هنا، فإن تأکيد الديانات الثلاث على أهمية المحبة ووجوبها ورفض البغض والكراهية، لا بد من أن يصبح ذلك على سبيل المثال لا الحصر أساسا ومنطلقا للاتفاق لإرساء أرضية مشترکة تجمع بين الأديان الإبراهيمية وتوحدها بهذا السياق بما يرسخ التقارب والتفاهم والتعاضد الذي يجعل منه أساسا ومنطلقا حيويا ونابضا للحوار بين الحضارات والتصدي للتطرف والإرهاب والانغلاق.

@sayidelhusseini