الثقافة عنوان
السبت - 22 يناير 2022
Sat - 22 Jan 2022
في حواره الثقافي الواسع سلط الإعلامي طارق الحميد عبر برنامجه المتلفز «الموقف» على قناة السعودية، الضوء على جانب من هموم المشهد الثقافي وإشكالاته، وكان حواره مهما، لا سيما وأنه مع أحد صناع المشهد الثقافي على المستوى الصحافي، وهو الزميل عبدالله الحسني مدير القسم الثقافي بجريدة «الرياض». وواقع الحال فإن جزءا كبيرا مما دار الحديث حوله كان ولا يزال مؤرقا لكل مثقف مهموم بحال المعرفة ومآلاتها؛ تلك المعرفة التي آثرت الانزواء عن مشهد ضجت أركانه بالوهم، وتزينت جدرانه بأغلفة المهمومين بالشهرة الزائفة، ولذلك لا نرى فتيلا حقيقيا ينير لنا الدروب التي اختلطت فيها الألوان فظن الغافل أنها أضواء ساطعة، وليتها تكون كذلك؟
في هذا السياق فإن أكثر ما يشغلني ويؤرق سهادي، ما أصبحنا نعيشه من تسارع في ولادة شريحة الكتاب والمثقفين في محيطنا المجتمعي بشكل غريب ومهول، حتى أني صرت أستشعر بأننا قريبا سنرفع لوحة الكترونية نرصد فيها ولادة كم كاتب وروائي ومثقف في الدقيقة الواحدة، ولعمري فذلك سيكون من المضحكات المبكيات، إذ أصبح تأليف كتاب أو رواية أسهل بكثير في وقتنا الحالي من قراءة كتاب، لأن القراءة فعل يحتاج إلى صبر وتفكير وترويض للنفس على التعلم وكبح لجماح الغرور والادعاء، فيما الكتابة تُرضي غرورنا، وتصنع لنا صورة براقة تجعل أسماءنا إلى جوار مؤلفين وكتاب كبار.
إنها صورة متجردة لواقع مشهدنا الثقافي المعاصر، الذي بات الزيف فيه غالبا، وأصبح الوهم أكثر وضوحا وحضورا من الحقيقة.
ألسنا مجتمعا يتباهى فيه أفراده المزيفون بشهاداتهم الوهمية! أليس كثير منا يتماهى مع تلك الألقاب تأييدا أو مجاملة! بل لقد بلغ بنا الحال أن أخذ أولئك الوهميون يتصدرون عُرى المشهد الثقافي من واقع ترأسهم لعديد من مؤسساته الرسمية والأهلية، فكيف نرجو أن يكون مشهدنا الثقافي جيدا ومتطورا على أقل تقدير والحال كذلك؟!
في هذا الصدد لامس فكري منهج المفكر عبدالكريم سروش، الذي أشار في عديد من أبحاثه إلى أهمية التفكير في إنشاء جسور عبور من أجل تحقيق النهضة التي نصبو إليها، مبينا أننا كمشهد ثقافي مشرقي عربي قد أخذنا في الحديث عن عالم الحداثة وما بعد الحداثة، في الوقت الذي لم نبن جسر عبورنا نحن للحداثة حتى نصل لما بعدها، وإنما استعرنا في خيالنا جسر غيرنا وتصورنا أن ذلك كاف لعبورنا، وتلك هي الكارثة بعينها.
حقا كم هي جديرة فكرته بالتأمل والنقاش، فنحن لا نزال نراوح مكاننا على الرغم من مختلف الكتابات والأفكار التي طرحها النخبة في محيطنا المعرفي، ولم تُغير تلك الكتب المتدفقة أي شيء حقيقي في مسارنا المعرفي، بل إن أحدنا ليتفاجأ بنمطية منهج تفكير عديد من المثقفين المحسوبين على المشهد، حين يتم التعاطي الفكري مع قضية لا تتلامس مع توجهاتهم وآرائهم، وهو ما يزيد من عمق الإشكال المعرفي، ويؤكد أننا لم نتغير، وأن ذلك دونه خرط القتاد طالما وأننا لم نعبر.
إنها مسألة شائكة حقا، ولست هنا كفرد في مجال التنظير لحلها، فذلك أمر له بابه وميدانه، لكنني أشير في هذه العجالة إلى بعض زوايا المشهد الثقافي التي تعزز ترسخ هكذا معرفة في أذهاننا وطبيعة تكوين معارفنا، وأؤمن أن أحد موجبات ذلك هو حالة الوهم الثقافي والمعرفي المستشري في داخلنا، ذلك الذي بات واضحا في تلك الأوراق المطبوعة المنشورة بوصفها كتبا معرفية وروايات أدبية وإبداعا شعريا، ودون أن تستوفي أبسط القواعد المنهجية في الإطار المعرفي الفكري، واللوازم الإبداعية في إطار السياق الأدبي.
لكنها - وعلى الرغم من ذلك - وبفذلكة إعلامية، ونجومية خاصة لكاتب خربشاتها، تصبح ذات قيمة تسويقية في عالم الكتاب، ويتكالب عليها الشباب من هنا وهناك، وحين يرفع أحدهم صوته متسائلا حول قيمتها المعرفية والإبداعية، يلفحك البعض بجعجعتهم واتهاماتهم الشخصية. والعجيب أن بعد ذلك كله، يأتي من يُعلن استغرابه من حالة التردي الحضاري التي نعيشها في محيط مجتمعنا، وكأننا بعدد الكتب التي طبعناها، وعدد الكتب التي اشتريناها، نكون قد حققنا شروط النهضة!؟
ما أحوجنا اليوم لأن ندرك بأن الثقافة عنوان، فإن كانت ثقافتنا هشة، فعنوان حياتنا سيكون هشا، وإن كانت ثقافتنا متينة مستوفية لشروطها وأدواتها، فعنوان حياتنا سيكون متينا صلبا قائما على أصوله، والسؤال الذي يجب أن نسأله بصدق هو: هل حياتنا المعرفية، وسلوكنا الحضاري، يعكس ما نصبو إليه ونريده من تقدم؟ إن لم يكن، فلنعلنها صدقا: كفى للزيف المعرفي، كفى للوهم الثقافي، ولنطهر مؤسساتنا الثقافية من كل زيف ووهم، ونسعى إلى تأكيد المعرفة وفق أسسها التي يجب، فهل إلى ذلك سبيل؟
zash113@
في هذا السياق فإن أكثر ما يشغلني ويؤرق سهادي، ما أصبحنا نعيشه من تسارع في ولادة شريحة الكتاب والمثقفين في محيطنا المجتمعي بشكل غريب ومهول، حتى أني صرت أستشعر بأننا قريبا سنرفع لوحة الكترونية نرصد فيها ولادة كم كاتب وروائي ومثقف في الدقيقة الواحدة، ولعمري فذلك سيكون من المضحكات المبكيات، إذ أصبح تأليف كتاب أو رواية أسهل بكثير في وقتنا الحالي من قراءة كتاب، لأن القراءة فعل يحتاج إلى صبر وتفكير وترويض للنفس على التعلم وكبح لجماح الغرور والادعاء، فيما الكتابة تُرضي غرورنا، وتصنع لنا صورة براقة تجعل أسماءنا إلى جوار مؤلفين وكتاب كبار.
إنها صورة متجردة لواقع مشهدنا الثقافي المعاصر، الذي بات الزيف فيه غالبا، وأصبح الوهم أكثر وضوحا وحضورا من الحقيقة.
ألسنا مجتمعا يتباهى فيه أفراده المزيفون بشهاداتهم الوهمية! أليس كثير منا يتماهى مع تلك الألقاب تأييدا أو مجاملة! بل لقد بلغ بنا الحال أن أخذ أولئك الوهميون يتصدرون عُرى المشهد الثقافي من واقع ترأسهم لعديد من مؤسساته الرسمية والأهلية، فكيف نرجو أن يكون مشهدنا الثقافي جيدا ومتطورا على أقل تقدير والحال كذلك؟!
في هذا الصدد لامس فكري منهج المفكر عبدالكريم سروش، الذي أشار في عديد من أبحاثه إلى أهمية التفكير في إنشاء جسور عبور من أجل تحقيق النهضة التي نصبو إليها، مبينا أننا كمشهد ثقافي مشرقي عربي قد أخذنا في الحديث عن عالم الحداثة وما بعد الحداثة، في الوقت الذي لم نبن جسر عبورنا نحن للحداثة حتى نصل لما بعدها، وإنما استعرنا في خيالنا جسر غيرنا وتصورنا أن ذلك كاف لعبورنا، وتلك هي الكارثة بعينها.
حقا كم هي جديرة فكرته بالتأمل والنقاش، فنحن لا نزال نراوح مكاننا على الرغم من مختلف الكتابات والأفكار التي طرحها النخبة في محيطنا المعرفي، ولم تُغير تلك الكتب المتدفقة أي شيء حقيقي في مسارنا المعرفي، بل إن أحدنا ليتفاجأ بنمطية منهج تفكير عديد من المثقفين المحسوبين على المشهد، حين يتم التعاطي الفكري مع قضية لا تتلامس مع توجهاتهم وآرائهم، وهو ما يزيد من عمق الإشكال المعرفي، ويؤكد أننا لم نتغير، وأن ذلك دونه خرط القتاد طالما وأننا لم نعبر.
إنها مسألة شائكة حقا، ولست هنا كفرد في مجال التنظير لحلها، فذلك أمر له بابه وميدانه، لكنني أشير في هذه العجالة إلى بعض زوايا المشهد الثقافي التي تعزز ترسخ هكذا معرفة في أذهاننا وطبيعة تكوين معارفنا، وأؤمن أن أحد موجبات ذلك هو حالة الوهم الثقافي والمعرفي المستشري في داخلنا، ذلك الذي بات واضحا في تلك الأوراق المطبوعة المنشورة بوصفها كتبا معرفية وروايات أدبية وإبداعا شعريا، ودون أن تستوفي أبسط القواعد المنهجية في الإطار المعرفي الفكري، واللوازم الإبداعية في إطار السياق الأدبي.
لكنها - وعلى الرغم من ذلك - وبفذلكة إعلامية، ونجومية خاصة لكاتب خربشاتها، تصبح ذات قيمة تسويقية في عالم الكتاب، ويتكالب عليها الشباب من هنا وهناك، وحين يرفع أحدهم صوته متسائلا حول قيمتها المعرفية والإبداعية، يلفحك البعض بجعجعتهم واتهاماتهم الشخصية. والعجيب أن بعد ذلك كله، يأتي من يُعلن استغرابه من حالة التردي الحضاري التي نعيشها في محيط مجتمعنا، وكأننا بعدد الكتب التي طبعناها، وعدد الكتب التي اشتريناها، نكون قد حققنا شروط النهضة!؟
ما أحوجنا اليوم لأن ندرك بأن الثقافة عنوان، فإن كانت ثقافتنا هشة، فعنوان حياتنا سيكون هشا، وإن كانت ثقافتنا متينة مستوفية لشروطها وأدواتها، فعنوان حياتنا سيكون متينا صلبا قائما على أصوله، والسؤال الذي يجب أن نسأله بصدق هو: هل حياتنا المعرفية، وسلوكنا الحضاري، يعكس ما نصبو إليه ونريده من تقدم؟ إن لم يكن، فلنعلنها صدقا: كفى للزيف المعرفي، كفى للوهم الثقافي، ولنطهر مؤسساتنا الثقافية من كل زيف ووهم، ونسعى إلى تأكيد المعرفة وفق أسسها التي يجب، فهل إلى ذلك سبيل؟
zash113@