يوسف محمد داهم

أثر مبادرة حوكمة المنظمات غير الربحية وتصنيفها "مكين" بالمملكة العربية السعودية

الاثنين - 03 يناير 2022

Mon - 03 Jan 2022

الحوكمة اسم لامع في عالم القطاع الخاص بالرغم من أنه لا يعرف لبدء آلياته ونظمه تاريخ محدد، إلا أن كل الباحثين متفقون على أنها جاءت كضرورة للقضاء على الفساد والمساهمة في دفع عجلة الازدهار الاقتصادي الناتج من جذب الاستثمارات المحلية والدولية من خلال بناء الأطر التشريعية والتنظيمية لحفظ حقوق المساهمين والأطراف المعنية.

ونظرا لأثر الحوكمة في قطاع الأعمال فيما يخص حفظ حقوق المساهمين وتحقيق العدالة والشفافية، جاءت فكرة حوكمة القطاع غير الربحي، كونه مشابها للقطاع الخاص فيما يتعلق بوجوب حفظ مال المتبرعين وإخضاع العاملين فيه للمساءلة بما يحقق التنمية الاجتماعية، ومع انطلاق رؤية 2030 عام 2016 حرصت الرؤية على التأكيد على دور القطاع غير الربحي كمكون أساس في التنمية، وأطلقت برنامج مكين لحوكمة المنظمات غير الربحية وتصنيفها.

وضعت مبادرة مكين على عاتقها -منذ انطلاقها- مسؤولية تحديد الفجوات في القطاع غير الربحي وتوجيه المجتمع نحو فرص التنسيق والاستثمار الاجتماعي في القطاع وقيام المجتمع بدوره في مساءلة جمعيات القطاع غير الربحي وتمكين الجامعات والمراكز من إجراء الدراسات والأبحاث التطويرية وإثبات فاعلية الجمعيات أمام الجهات المنظمة وتحسين الصورة الذهنية للقطاع غير الربحي. إضافة إلى تمكين الوزارة من التحول إلى الإدارة المبنية على المعلومات وإيجاد آلية مستدامة لتقييم أداء الجمعيات، وقد تضمنت مبادرة مكين استحداث نظام يصنف ويقيم مؤسسات القطاع غير الربحي استنادا إلى ثلاثة معايير رئيسة هي: السلامة المالية، الامتثال والالتزام، والشفافية والإفصاح.

ولعل من المناسب استعراض صور من أثر ونتائج هذه المبادرة بعد مرور 5 سنوات من انطلاقها عام 2017م على المستوى الوطني وعلى القطاع غير الربحي بمكوناته من الجمعيات الخيرية والمؤسسات المانحة.

فقد ساهمت مبادرة حوكمة المنظمات غير الربحية وتصنيفها في تحسين صورة المملكة العربية السعودية دوليا بشكل ملموس، حيث حقق القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية في تقييم مجموعة العمل المالي (FATF) نتيجة (LC) والمقصود بها largely compliant وتعني "متوافق إلى حد كبير" مع متطلبات التقييم.

وتعتبر هذه النتيجة ثاني أفضل نتيجة في التقييم والأعلى منها (C) وهي compliant وتعني "متوافق"، مع العلم أن درجة "متوافق" لم تحققها سوى دولتين.

وعلى صعيد آخر وفرت مبادرة مكين معلومات مهمة ووفيرة مبنية على بيانات دقيقة عن واقع العمل في القطاع غير الربحي أسهمت في تحديد الاحتياجات التنموية والتطويرية للجهات غير الربحية، كما أن المؤسسات ومراكز البحث -اليوم- تعتمد بشكل كبير على مخرجات زيارات الحوكمة التي تم تنفيذها على أكثر من 1000 جمعية ومؤسسة أهلية، وأصبحت الجهات الحكومية اليوم ترتكز على التقارير الصادرة من مبادرة مكين في رسم وتنفيذ تدخلاتها في تنمية القطاع غير الربحي.

وعند النظر في التحديات التي كانت تواجه المانحين فيما يتعلق بأولوية المنح للجهات الربحية، فإننا نجد اليوم المؤسسات المانحة تعتمد بشكل كبير على تقرير حوكمة الجمعيات في منحها، وهذا بدوره سهل قرار المنح وسرع حصول المعلومات عن الجمعيات المتقدمة للمنح.

وعلى صعيد الجمعيات الأهلية نفسها فإننا نجد اليوم أن الجمعيات أكثر وعيا بأدبيات العمل المؤسسي، وأكثر وعيا بحفظ ممتلكات المجتمع وسمعة وصورة الجمعية الذهنية، كما ساهمت تقارير الحوكمة في تحسين صورة الجمعيات بشكل عام، حيث وضح تقرير حوكمة المنظمات غير الربحية مكين لعام 2020، التزام الجمعيات بشكل كبير بالامتثال والالتزام باللوائح والأنظمة.

أخيرا، فإننا لا نستطيع إغفال أثر مبادرة مكين على المجتمع في تعزيز أساليب أحقية مساءلة المجتمع لمنظمات القطاع غير الربحي وتحسين الصورة الذهنية لمؤسسات القطاع غير الربحي من خلال ما حققته الجمعيات من ممارسة متقدمة في الشفافية والإفصاح، مما عزز عند المجتمع قبول هذه الجمعيات وحفزها بشكل أكبر للتبرع ومساعدة الجمعيات.