حسن علي العمري

السلطة القضائية

الاحد - 26 ديسمبر 2021

Sun - 26 Dec 2021

القضاء هو ظل الله في الأرض، وهو الأمل بين جنبات المظلومين والغاية المنتهى لكل فار من ظلم مبين؛ لذا كان العدل ولم يزل حقا من حقوق الإنسان، إعمالا لقول الحق سبحانه وتعالى «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل».

وقد حمل القضاء أمانة تحقيق العدل منذ فجر التاريخ، واستشعرت الجماعة البشرية الحاجة الماسة إليه، كونه سبيلا إلى تحقيق الأمن والطمأنينة، ونصفة المظلوم وقمع الظالم، وأداء الحق إلى مستحقيه، وتصحيح السلوكيات المنحرفة.

ولهذا كان لابد من تصدي القضاء لهذه المهام الجسام كونه القائم على تطبيق النصوص النظامية على الوقائع المطروحة أمامه للنصوص بالتفسير وفقا أو اللجوء إلى قواعد القانون الطبيعي أو قواعد العدالة أو ما يسمى الحيلة القانونية، وقد يتدخل القضاء لمعالجة القصور في التشريع تحت ضرورة الاجتهاد في التفسير.

ولذلك يعد قيام القاضي بفهم النصوص بشكل صحيح هو المخرج النهائي للعقلية القانونية وهو الذي يحسم النزاع في الحيثيات القضائية أثناء المرافعة والمداولة والنطق بالحكم، وعندها يكون الحكم متسقا مع القواعد والأصول القضائية، وعكس ذلك حين يكون الفهم غير دقيق، أو فهمه فهما أوليا لظاهر النص دون ربطه بالنصوص الأخرى، فعملية دراسة النص واستيعابه هي من الفقه القانوني الذي يبتغيه دارس الفقه والقانون وفق تراكم المعلومات القانونية لديه، وكلما كانت المعلومات والخبرات أكثر لدى القاضي كان الفهم أعمق وأشمل، ولذلك تخضع عملية تفسير النص إلى القبول الذاتي للمتلقي، حيث يأتي ما يسمى المعنى الأولي للوهلة الأولى، وهذه تأتي نتيجة التراكمات اللغوية والمنطقية والتاريخية.

فمهمة القاضي هي توضيح ما غمض من ألفاظ النظام وتكميل ما نقص من أحكامه بالرجوع إلى المصادر التشريعية التي أحاله عليها القانون من العرف، أو القانون الطبيعي أو غيره، إضافة إلى التوفيق بين النصوص المتعارضة، حيث ينزل القاضي في تفسيره للقانون إلى معترك الحياة الواقعية لفض الخصومات، لذلك كان طبيعيا أن يتأثر القاضي حين يفسر النظام بالظروف المحيطة والحاجات العملية حتى يمكن أن يرتب على تطبيق الرأي الذي يجنح إليه من نتائج في واقع الحياة؛ ولذلك فإنه يعمل دائما على جعل أحكام القانون المتمشية مع مقتضيات الأحوال والمتفقة مع سير العدالة.

ومع القفزات المتنوعة والمتتالية التي لمسناها في مناحي القضاء السعودي في العقد الأخير في هذا الوطن المبارك إلا أنني وغيري كثير من مختلف فئات المجتمع وحتى تكن البيئة العملية جاذبة ومستقرة لمنسوبيها، فإننا نتوقع من وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء وقضاء المظالم مزج مواكبة استشعار أهمية دور القاضي وواجباته مع أهمية استحضار البناء المادي والمعنوي له وتلمس ضرورياته واحتياجاتها، ولعل من أهمها إعادة النظر في سلم رواتب القضاة الحالي ودراسته وموائمته مع حجم الجهود المبذولة والنتائج المتوخاة منهم على مختلف الأصعدة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة لدراسة إنشاء أندية مهيأة في المناطق الرئيسة تكون خاصة بهم، يمارسون بها هواياتهم وأنشطتهم ويلتقون بها ويقيمون بها مناسباتهم الاجتماعية بالنظر لحساسية واجباتهم وقلة احتكاكهم بعموم المجتمع في الأماكن العامة، مع أهمية إعادة النظر في تنويع الاختصاصات العدلية الفقهية والقانونية عند اختيار القضاة، كما أن المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها لا زال -مقار الغالب الأعم منها- في مبان مستأجرة وغير مهيأة لتكون بيئة منتجة ومريحة لأطراف العملية العدلية التي يناط بالمحكمة التعامل معها -ليمكن بعد تهيئة كل ذلك- للمرجعية القضائية في القضاءين العام والإداري إحكام الرقابة والمتابعة والمحاسبة على النتائج بكل تجرد ودون عذر لأي مقصر.

hass_qr@