حسن ملفي الودعاني

تجارة البيانات.. أن تملك البيانات أن تدير العالم!

السبت - 25 ديسمبر 2021

Sat - 25 Dec 2021

أصبحنا اليوم نعيش ثورة عالم البيانات المفتوحة أو ما يسمى بـ open-sources or public data بل بالمعنى الحقيقي أصبح العيش على بيانات الإنترنت المفتوح أساسا وضرورة في هذه الأيام، وأصبحت كبرى الشركات العالمية سواء التقنية أو الاستثمارية تتنافس في توظيف علم البيانات وعلم الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهدافهم التجارية والمالية.

لم يكن لدي توقع في يوم من الأيام أن تصبح معلوماتي وبياناتي الشخصية ومعلوماتك وبياناتك يتم تداولها عبر الشركات عبر الإنترنت وفي كل مكان، لكن هنا أستوقف وأرجع إلى ما قبل 10 سنوات تحديدا كيف كنا وكيف أصبحنا وما نسبة الأمن الالكتروني آنذاك ونسبة الأمن حاليا.

شيء مهول ألا يستطيع المستخدم للإنترنت القدرة على تخيل أن جميع بياناته ومعلوماته واهتماماته وتوجهاته وأهدافه تتداولها كبريات الشركات عالميا وتستطيع الوصول إليه بضغطة زر واحدة وفي وثوان معدودة بل يدرسون سلوكه ونمط حياته وتعرف من هو وكيف يعيش وأين يعيش وماهي اهتماماته وماذا يشتري وماذا يبيع وماذا يعمل وأين يذهب وأين يسكن وما هي أهدافه وكيف نستهدفه ومتى نستهدفه ويبنون عليها تحليلاتهم وتوقعاتهم وخططهم وعملياتهم ودوالهم وبرامجهم وحملاتهم حتى الوقت له اعتبارات خاصة جدا وهامة ويتم تحديدها من خلال دراساتهم.

كيف يمكن لشركات التسوق العالمية وشركات مواقع التواصل الاجتماعي والمؤسسات التقنية العملاقة تقديم خدماتها الرقمية ومنتجاتها التقنية بدءا من الوصول إلى الشخص وكيف يتم استهدافه هنا إلى هذه النقطة يمكنني القول إنه بمجرد أن يلامس الشخص جهازا ذكيا أو جهاز كمبيوتر فهو ضحية أو في خطر البيع والشراء الالكتروني، هنا أتحدث عن الأشخاص البسطاء الذين يعيشون حياتهم اليومية بكل عفوية يهاتفون أصدقاءهم مكالماتهم مسجلة، ويراسلون أصدقاءهم مراسلتهم محفوظة يلتقطون الصور صورهم محفوظة ويسجلون فيديوهاتهم وتحفظ مباشرة في أجهزتهم الذكية ثم إلى أين؟ كل هذه الأفعال يتم التوصل إليها عن طريق معرفات الأجهزة الذكية ويتم تخزينها وإرسالها مباشرة إلى الشركات المصنعة أو عن طريق حسابات مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث ومواقع الإنترنت الأخرى، هنا بنوك البيانات تجتمع وتدر أرباحا بمليارات الدولارات على تلك الشركات من خلال هذه البيانات والمعلومات.

أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث ومواقع الإنترنت فنادرا ما تجد شخصا لا يملك على الأقل حسابا واحدا على أحد هذه المواقع كيف يمكن لهذه الشركات الوصول إلى بياناتك ومعلوماتك واهتماماتك الشخصية بمجرد فتح حساب على أحد هذه المواقع يسهل على الشركات معرفة أدق التفاصيل عنك من خلال مراسلاتك الفورية ومنشوراتك وصورك وفيديوهاتك ومن هنا تحول إلى كبار محللي الأعمال والنظم في تلك الشركات حتى يتم تحليلها وتحويلها إلى أفكار بل إلى خطط ومن ثم إلى تقديمها كمنتجات أو خدمات وأنت من يشتريها.

ما خطورة ذلك على المستخدمين الأفراد؟

أقول أنت تعيش في عالم بيانات مفتوح وأنت عرضة للخطر ببياناتك الشخصية والسرية والمالية بل ومستقبلك فأنت عرضة للبيع والشراء ما دمت تعيش على الواقع الافتراضي المفتوح فيجب على كل مستخدم عدم الإفصاح عن أي بيانات هامة أو سرية على أي موقع الكتروني أو الحسابات وحتى لو أنت حريص كل الحرص على الشيء فهذا لا يغني عنك شيئا إذا كانت الاتفاقيات وسياسات فتح الحسابات على كبرى شركات التسوق الالكتروني وشركات مواقع التواصل الاجتماعي تفرض عليك الإفصاح عن بعض المعلومات والبيانات الهامة وقد تستغل في بعض الأحيان ببياناتك ضدك.

الحكومات وتجارة البيانات:

فهنا أرجع إلى مقال نشرته في عام 2016 بعنوان فرض رسوم وضرائب وعقد اتفاقيات متعددة مع الشركات التقنية وشركات مواقع التواصل الاجتماعي هنا بالتحديد أتكلم عن المملكة العربية السعودية وما هو خطر تجارة البيانات وسياسات هذه الشركات على أمن الدولة والمواطن في المقام الأول وكذلك كيف يمكن لهم تقديم منتجاتهم وخدماتهم الرقمية في نطاق السعودية؟ ما الخطر الرئيس إذا حصلت مثلا شركة قوقل أو فيس بوك أو أمازون أو غيرها من الشركات على بيانات ومعلومات ما يقارب 20 مليون سعودي؟ وكيف تحصل عليها وما أثرها على الحكومة والمستهلك أو المستخدم؟

أولا: لها فوائدها السياسية خصوصا أن بعض الدول التي تملك تنظيم هذه الشركات ويوجد بها مقرات تلك الشركات لها الحق في الاطلاع على بعض البيانات لأغراض سياسية وذلك بموجب اتفاقيات سرية تجارية وسياسية.

ثانيا: العوائد المالية والتي تقدر بمئات الملايين من الدولارات فقط من داخل السعودية. لماذا فرضت الصين قانون حظر جميع مواقع التواصل الاجتماعي وعلى بعض منتجات الشركات العالمية؟

أولا: حفاظا على أمنها القومي من الدرجة الأولى؛ لأنهم يعرفون جيدا قيمة البيانات وحماية لبياناتهم من التجسس والسرقة أو الاستهداف.

ثانيا: تريد الصين أن تعتمد كلياً سواء على مستوى الخطين التصنيع أو الاستهلاك وهي بذلك خلقت خط موازنة مؤثر ومهم باعتمادهم على مصادرهم ومواردهم ويثقون كامل الثقة في شركاتهم الوطنية ومواطنيهم.

ميتا « فيس بوك سابقا» كحالة من خصوصية البيانات:

بعد فضيحة شركة فيس بوك المدوية والجريمة الأكبر على مستوى تاريخ العالم الرقمي وهي الهجوم على حسابات المستخدمين وسرقة بيانات أكثر من 80 مليون مستخدم وأغلبهم من الولايات المتحدة الأمريكية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة وكان لها تأثيرها على سير عمل الانتخابات الأمريكية وحتى الآن لم تنته وهي محل جدل واسع بين أعضاء الكونجرس الأمريكي من جهة وبين الإدارة الأمريكية من جهة وبين العدل الأمريكية من جهة واتهامات روسيا من جهة أخرى لم يلبث المؤسس والرئيس التنفيذي لفيسبوك «مارك زوكربيرق» إلا وحضر جلسات الاستجواب واعترف بهذا الهجوم الكبير وحسب قوله إن الهجوم تم على خوادم شركة تحليل البيانات أخرى تعمل لصالح شركة فيس بوك وليس على شركة فيس بوك وهذا ليس بدليل أو مبرر الهجوم على شركة فيسبوك ومستخدميها، وكان لهذا الهجوم عواقبه السياسية والاقتصادية من التأثير على سمعة شركة فيسبوك وخسائرها الفادحة عقب الهجوم وفقدانها للثقة والمصداقية في السوق العالمي وكذلك ضعف حماية الخصوصية لديهم وتعهد مارك بسياسية خصوصية جديدة حسب تصريحه لعدد من وسائل الإعلام وقال بالحرف الواحد «مستقبل شركات مواقع التواصل الاجتماعي هو الخصوصية» ما لبثت الشركة العملاقة بضعة أشهر بعد الهجوم الكبير إلا والهجوم الآخر يحدث قبل شهرين، حيث تم سرقة بيانات عشرات ملايين المستخدمين أيضا لصالح أطراف مجهولة المصدر يمكن يقف خلفها دول أو شركات أو كيانات أو غيرها.

الذكاء الاصطناعي ودوره في خدمة تحليل البيانات للدول والحكومات والشركات:

يعتمد علم البيانات وعلم الذكاء الاصطناعي على تحليل وتفسير كل ما له علاقة بالإنترنت ومحركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي بداية من الحسابات ومن يديرها والمحتوى، حيث يقوم علماء البيانات والذكاء الاصطناعي وكبار محللي النظم ومحللي الأعمال في تلك الشركات والذي أقول قطعا دون مبالغة إن معدل رواتب هذه الوظائف الشهرية توازي رواتب الرؤساء التنفيذين لتلك الشركات ببحث ودراسة سلوك المستخدمين يوميا حسب الدولة والعمر والمحتوى ويحللون بدقة محتوى واهتمامات وأفكار واحتياجات الأفراد والشركات بل حتى الحكومات ويتوصلون إلى نتائج وأرقام واستنتاجات هامة جدا والتي يبنون عليها دوالهم ومعادلاتهم وخططهم وبرامجهم وحملاتهم الترويجية ومنهجياتهم ويقومون ببرمجتها وتصميمها وتحويلها إلى خدمة رقمية أو منتجات على أرض الواقع وفي النهاية يتم استهداف المستخدم بكل نجاح وبذلك يحققون نجاحات باهرة وأرقام ربحية فلكية ويختصرون الطرق والوقت والتكلفة.

قابلت وديا «أحد كبار محللي النظم في شركة أمازون» الشهر الماضي في نيويورك وناقشنا سويا مستقبل علم البيانات والذكاء الاصطناعي وما دورهما في مستقبل الشركات وتطرقنا إلى أهم عاملين لهما وهما بحث دراسة سلوك المستخدم وتحليلها تحليل منطقيا قائما على معادلات ودوال رياضية خاصة بتلك الشركات، وعندما سألته عن استحواذ شركة أمازون على شركة سوق كوم قال لي بالعبارة «ليس من السهل تحليل ودراسة مئات الملايين من المستخدمين من بيئة وثقافة مختلفة» وكانت فرصة رائعة لشركة أمازون الاستحواذ على شركة سوق كوم لسببين رئيسيين، الأول: امتلاك قواعد البيانات ضخمة جدا تضم مئات الملايين من المستخدمين «المستهلكين» من مختلف الدول في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث سهلت جدا لأمازون تسهيل عمليات دراسة وتحليل بيانات واهتمامات المستخدمين في تلك المناطق، والسبب الثاني والمبني على السبب الأول: أهداف ربحية عالية، حيث قفزت أرباح الشركة بعد استحواذها على سوق كوم إلى أرقام فلكية، وعلى خطى أمازون قامت شركة «أوبر» بالاستحواذ على شركة «كريم» للأسباب ذاتها.

قد يقول البعض من الساسة أن حجب مواقع التواصل الاجتماعي بسبب المعلومات أو البيانات خطأ كبير وأيضا أن منعها قد يمنع التواصل مع ثقافات و لغات أخرى هنا أقول من يتحمل حينئذ الحد من تجارة البيانات التي أصبحت تباع وتشترى حتى للأسف الشديد من قبل غير المختصين وصغار السن؟!

بعض من الحلول:

كما طالبت سابقا إما بفرض رسوم وضرائب على الشركات التقنية وشركات مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الحوكمة وذلك بعمل اتفاقيات تجارية وقانونية ملزمة لحماية المعلومات والبيانات كما فعلت بعض الدول كالمملكة المتحدة، وهذه الإجراءات حتى لو عملت لن تحد من تجارة البيانات وتداولها وتوظيفها في مجالات أخرى دوليا سياسية واستخباراتية أو اقتصادية وغيرها.

حظر جميع خدمات ومنتجات الشركات التقنية وشركات مواقع التواصل الاجتماعي الأجنبية وهذا صعب وصعب جدا نظرا لاعتمادنا الكلي عليها إلا إذا تم إنشاء شركات تصنيع ومواقع تواصل «محلية» تلبي رغبات واحتياجات المستخدمين والمهتمين بالتسوق والتواصل والإعلام وهذه أيضا لها سلبياتها وإيجابياتها لكنها أقل ضررا من المقترح الأول.

هنا يجب أن أتوقف.. «إذا لم نصبح مجتمعا مُنتجا ومُصنّعا؛ فلن تجد أي حلول أخرى إذا استمر أي مجتمع في خط الاستهلاك فهو في خطر شديد».

HassanMalfi@